رياض الزهراء العدد 78 كيف تكونين مثلها؟
السّيدَةُ دُرّةُ الصّدَفِ الأنصَارِيّة
هي السيدة الكريمة درّة الصّدف بنت عبد الله بن عمر الأنصاري، كانت من المواليات لأهل البيت (عليهم السلام)، تربت في حضن والدها الذي كان من الموالين والمحبين للعترة الطاهرة، فنشأت على حبّهم حيث كانت تقوم بتعليم نخبة فاضلة من الشّابات على السير على خطى السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام). يذكر العلامة الدربندي وهو أحد العلماء الكبار والمعتمدين لأبناء الطائفة الجعفرية أن والدها عبد الله الأنصاري لما علم بقدوم رأس الإمام الحسين (عليه السلام) إلى مدينة حلب السورية، تألم كثيراً وقام بالذهاب إلى عدد من أعوانه لتدبير محاولة لقتل المجموعة التي كانت تحمل الرأس الشريف، ومن ثمّ أخذ الرأس الطاهر ودفنه في أحد بيوت محبي أهل البيت (عليهم السلام) إلا أنّ مَهمته فشلت؛ بسبب وجود عيون بني أمية وتغلغل أعوانهم في مدينة حلب. بعد فشل مَهمته ذهب إلى داره، وقد بَدَا الحزن عليه، وبعد دخوله إلى الدار شاهدته ابنته المجاهدة درّة الصدف وسألته قائلة: ما بك يا أبتاه؟ لا أبكى بك الدهر ولا نزل بقومك القهر، أخبرني عن حالك؟ فقال لها: يا بنية إنّ أهل النفاق قتلوا حبيبنا، وسبوا حريمه، والقوم سائرون إلى يزيد بن معاوية. فقالت له ابنته المجاهدة: يا أبتاه لا خير في الحياة بعد قتل الهداة، فو اللهِ لأحرص في خلاص الرأس الشريف وآخذه وأدفنه عندي في داري، وأفتخرُ به على أهل الأرض، بعد كلامها هذا دار حوار مع أبيها حول كيفية تنفيذ ما قالته، فذكرت لوالدها ما يدور في ذهنها، ولمّا سمع والدها كلامها تمنى لها النجاح في مَهمتها. بعد حوارها مع والدها غادرت الدار، وأخذت تنادي في أزقة مدينة حلب: (قُتِل يا ويلكم الإسلام) أثار كلامها هذا حفيظة الناس وخاصة المحبينَ لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ اتفقت مع مجموعة من الشابات المواليات لأهل البيت (عليهم السلام) على أن يقمنَ بالتنكّر ولبس الدروع، ومن ثمّ الخروج لملاقاة الجيش الأموي؛ لأخذ الرأس منهم. كمنت السيدة درّة الصدف على مقربة من القوم، فسمعت ومن كان معها من النساء بكاء الصبيان ونوح النساء، فبكين جميعهنّ بكاءً شديداً، في هذه الأثناء قالت السيدة درّة الصدف لمجموعتها: ما رأيكنّ؟ فقلنَ الرأي أن نصير حتى يقربوا منّا وننظر عدّة القوم حتى إذا طلعت الرايات وإذا تحتها رجال قد تنكروا بالعمائم وجردوا السيوف، وشرعوا الرماح والدروع وهم يكبّرون، وقسم منهم يرتجز تبجّحاً بما قاموا به من أعمال إجرامية ضدّ الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وأنصاره الكرام، قالت لهنّ السيدة درّة: (الرأي أن نستنجد ببعض القبائل العربية الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) ونطلب منهم دعمنا في تنفيذ مَهمتنا) استحسنت النساء هذا المقترح، فقامت هذه السيدة الكريمة بكتابة رسائل عديدة إلى زعماء القبائل الساكنة في ضواحي مدينة حلب. على أثر هذه المبادرة انضمّت نخبة من فرسان هذه القبائل إلى مجموعة السيدة درّة الصدف، وتهيأت السيّدة درّة الصدف وزميلاتها بالتعاون مع المجموعة التي انضمّت إليها لمهاجمة الزمرة الخائبة التي كانت تحمل الرأس الشريف للإمام الحسين (عليه السلام). ودار قتال ضارٍ بين الطرفين أسفر عن استشهاد البطلة درّة الصدف مع اثنتي عشرة فارسة، ثمّ قامت بقية النسوة بالهجوم على جنود بني أمية مما أدى إلى استشهادهنّ وبقية الرجال الذين انضموا إليهنّ، وبهذا سالت دماء صفوة كريمة من تلك النساء الباسلات من أجل قضية الإمام الحسين (عليه السلام). فسلامٌ على تلك النسوة وحشرهنَّ الله (عزّ وجل) مع الصديقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام). .............................. (1) تراجم أعلام النساء: ج2، ص71-72. (2) أسرار الشهادة: مجلس28، ص498. (3) سير أعلام النساء: ج2، ص70. (4) نساء الشيعة: ص235- 238. (5) نساء خالدات: ص173. (6) نساء حول الحسين(عليه السلام): ص127-130.