رياض الزهراء العدد 205 أنوار قرآنية
غزوة حنينٍ في القرآن الكريم
غزوات عديدة أشار إليها القرآن الكريم، إمّا لميزات، أو لخصوصيات، أو لإلفات النظر إلى أمور يجب مراعاتها، أو لتقريع المسلمين على بعض ما صدر منهم، ومن تلك الغزوات غزوة (حنين). و(حنين اسم وادٍ بين مكّة والطائف، وقع فيه غزوة حنين، قاتل فيه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هوازن وثقيف، وكان يومًا شديدًا على المسلمين، انهزموا أولًا ثم أيّدهم الله بنصره فغلبوا)(1). وحدثت في عام (8هـ)، حيث جمعت هوازن وثقيف المال والسلاح لقتال المسلمين خوفًا من انتشار الإسلام وسيطرة المسلمين على المنطقة، بخاصّة بعد فتح مكّة، (وسببها أنّه لمّا فتح الله تعالى على رسوله مكّة، أطاعته قبائل العرب إلّا هوازن وثقيفًا، فإنّهم كانوا طغاةً عتاةً)(2). وذكرت غزوة (حنين) في القرآن الكريم في سورة (التوبة) وهو قوله تعالى: )لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرةٍ ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودًا لم تروها وعذّب الّذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ( (التوبة:25-27)، اختصرت هذه الآيات الثلاث شروط النصر العسكري من الجهتين المادّية والمعنوية معًا، وكيفية الوصول إلى تلك النتيجة، وعن طريق التأمّل في سياق الآيات نتوصّل إلى: 1ـ تذكير المسلمين بإغداق الله تعالى الانتصارت والفتوحات عليهم على الرغم من قلّة العدّة والعدد، ووضعهم الاستراتيجي الصعب قبل فتح مكّة؛ لأنّهم حينها كانوا يعتمدون على قوة الإيمان، وكذلك النصر في (حنين) ولكن بعد هزيمةٍ، وسبب ذلك مثلما وصف القرآن الكريم إعجاب المسلمين بكثرة عددهم واستهانتهم بالعدوّ؛ ممّا سبّب انقلاب الموازين في الميدان العسكري، ولم تنفعهم كثرتهم تلك، وضاقت عليهم الأرض الواسعة، ثم ولّوا الأدبار تاركين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع عدد قليل ممّن ثبتوا في أرض المعركة، ومفردة (مدبرين) عبّرت بدقّة شديدة عن حالة الانهزام التي مرّ بها المسلمون، حيث هربوا وأداروا ظهورهم للرسول (صلّى الله عليه وآله) والرسالة في أرض المعركة، ثم جاء التأييد الإلهي وقلب الموازين العسكرية في وادي (حنين) لصالح المسلمين عندما ثبت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع عدد قليل من المسلمين عن طريق إنزال السكينة عليه وعلى المؤمنين الثابتين معه؛ لأنّ الاستقرار النفسي مهمّ جدًا لحالة المقاتلين في ساحة المعركة. وأيضًا أنزل الله تعالى جنودًا غير مرئيين من السماء، والمقصود بهم الملائكة مثلما هو الحال في بعض الغزوات السابقة حينما انتصرت القلّة على الكثرة بقوة الإيمان، وكان هذا التأييد الإلهي سبب عذاب الكافرين وجزاءهم في الدنيا قبل الآخرة، ثم يتوب الله على من يشاء، ممّن ولّوا مدبرين حين البأس وكانوا نادمين حقًّا على انهزامهم من ساحة المعركة، مخلّفين نبيّهم وثلّة ممّن ثبتوا معه في أحلك الظروف وأصعبها على المقاتلين في ساحة المعركة، وإنّ انتهاء الآية الثالثة بقوله تعالى: (واللّه غفورٌ رحيمٌ) فيها دلالة واضحة على عظيم مغفرة الله ورحمته بالمسلمين المنهزمين والمتخاذلين خاصّة، ممّن انهزموا وتعلّموا من أخطائهم وقرّروا عدم تكرارها. إنّ الدروس والعبر المستفادة من غزوة (حنين) لا تزال متجدّدة، غضّة في مجتمعاتنا الإسلامية بخاصّة في التعلّم من أخطائنا، والسعي إلى تصحيح المسار بعد انحرافه قبل فوات الأوان، والاعتماد بشكل أساسي على قوة الإيمان، والاهتمام بكيفية الأمور قبل الكمّ، وهو ميزان نافع في الأمور المادّية والمعنوية على السواء؛ لأنّه يؤسّس قواعد وأسس عامّة في الحياة بأنّ أيّ انتصار مادّيًا كان أم معنويًا، فهو لا يخلو من صعوبات ومجابهة للنفس الأمّارة بالسوء، ومقاومة التحدّيات والمغريات التي تصدّ عن السبيل بقوة الإيمان بالله وبرسوله الكريم ودينه الحنيف، حينها يكون التأييد الإلهي بأبهى صوره في أصعب الظروف، وفي لحظة تنقلب فيها كلّ الموازين المادّية والمعنوية لصالحنا، ومن تقاعس أو انهزم في بعض الميادين في لحظة انكسار نفسي وانهزامية إيمانية، فباب التوبة مفتوح لمن ندم وعمل على تصحيح ما أفسده بقلبه، وفكره، وروحه، قبل جسده، فمغفرة الله ورحمته ستكون له أسبق من غيرها. ........................................ (1) تفسير الميزان: ج9، ص218. (2) أعيان الشيعة: ج1، ص278.