رياض الزهراء العدد 205 حوار العدد
حفل تخرج دفعة بنات الكفيل السابعة: لحظة تعزيز الهوية وتجديد العزم لخدمة الوطن
من أعماق العتبة العبّاسية المقدّسة، تنبعث الطاقة الروحية التي تحمل في طيّاتها وعودًا بالتجديد والتطوير، كانت لحظات استثنائية تمامًا عندما تحوّلت أروقة العتبة إلى ساحة للاحتفال والتأمّل، وامتزجت الدموع بأحلام الغد. في ذلك اليوم، اجتمعت الشموع لتنير درب العلم، وانطلقت الأصوات لتردّد قسم الولاء والعهد للوطن، لم يكن مجرّد تجمّع، بل كان مسرحًا لتكريم العطاء والجهود المبذولة، إذ وقفت العتبة العبّاسية المقدّسة كقلب نابض في صدر العراق، محاطة ببنات الكفيل الدفعة السابعة، وهنّ يتأمّلن المستقبل بعيون مشرقة مليئة بالأمل والطموح. في هذا السياق الفريد، كانت النساء رمزًا للعطاء، والحفل بمنزلة دعوة إلى التحدّي والتميّز، ولرفعة المرأة في المجتمع العراقي، ومثلما تعلو الأماني والتطلّعات، فإنّ مسؤولية الطلاب تتجلّى بوضوح، إذ يمثّلون عماد تقدّم الأمّة وبناءها، ومن هنا، فإنّ التركيز على تعزيز مسيرتهم الأكاديمية والمهنية يعكس الرؤية الشاملة للعتبة العبّاسية المقدّسة التي تسعى إلى تحقيق تطلّعات شباب الوطن ودعمهم في بناء مستقبل مشرق. انطلقت الجهود النسوية كأمواج البحر، تتلاقى وتتشابك لتصنع أمواجًا جديدة من الإبداع والتألّق، وكانت لمسات المرأة حجر الزاوية في نجاح حفل تخرّج طالبات العلم، فهنّ أيقونة الإتقان والتنظيم التي جعلت من الحفل لوحةً فنّيةً متناسقةً. على صفحات مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) انعكست أصداء الإنجازات والتفوّق، حيث تمّ تسليط الضوء على الدور البارز الذي قامت به الإدارات النسوية وكانت القوة المحرّكة للحفل بجهودها الدؤوبة والمتواصلة، وتنظيمها الاحترافي الذي أسهم في تحويل الفكرة إلى واقع ملموس. من حوار مليء بالأمل والتفاؤل، انبثقت قصص نجاح الحفل وتأثيره الإيجابي في الشباب العراقي، إذ تمّ تحليل تأثير الحفل في تعزيز الانتماء الوطني وصقل الهوية الوطنية، ودفع الشباب نحو تحقيق أحلامهم وتطلّعاتهم الأكاديمية والمهنية. تأثير متميّز تحدّثت السيّدة منى وائل/ مديرة مكتب المتولّي الشرعي للشؤون النسوية عن التطوّر الذي شهدته حفلات التخرّج التي تنظّمها العتبة العبّاسية المقدّسة مبيّنة: في بادئ الأمر انطلقت هذه الحفلات بعدد محدود من الطالبات ولم تحظ بالاهتمام المناسب من قبل الإعلام، لكن مع توسّع نطاق المشاركة وزيادة الاهتمام، بدأت الجامعات العراقية تهتمّ بهذا الحفل بشكل أكبر، وبعد الدفعة الثانية انطلق كتاب من رئاسة الوزراء بمنع الحفلات المبتذلة داخل الحرم الجامعي، ونتوقّع أن يكون ذاك الكتاب نتاجًا لحفلات تخرّج بنات الكفيل. وفي سياق متّصل، أشارت السيّدة وائل إلى دور العتبة العبّاسية المقدّسة بدعم هذه الحفلات ورعاية الطالبات، فلم تكن هذه الجهود موجودة لولا التوجيه والتعليمات التي تعكس التزام العتبة برعاية المرأة والطلاب بشكل عام؛ لأنّهم يشكّلون الأساس في بناء المجتمع وتشكيل المستقبل، وقد شهدت الحفلات التي رعتها العتبة نجاحًا كبيرًا، حيث شعرت الطالبات بمكانتهنّ الرفيعة، والاحترام الذي يليق بهنّ. وأشادت السيّدة وائل بالجهود الكبيرة التي بذلتها شعبة مدارس الكفيل الدينية النسوية وإدارتها بقيادة السيّدة بشرى جبّار الكناني، مشيرةً إلى تفانيها وإخلاصها في خدمة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) قائلة: ونحن نشدّ على يدها ونشكرها كثيرًا، وندعمها ونتمنّى لها التوفيق. رسالة الحفل بعد ذلك توجّهنا إلى السيّدة بشرى جبّار الكناني/ مسؤولة شعبة مدارس الكفيل الدينية النسوية لتجيبنا عن تساؤلاتنا عن بعض زوايا الحفل؛ لمعرفة المزيد عن خطّة الحفل والفقرات المقدّمة، فقالت: في كلّ عام تسعى الشعبة إلى وضع هدف خاصّ إلى جانب الهدف العام، وفي هذا العام كان الهدف الخاصّ يرمي إلى توحيد العراق وتنمية الروح الوطنية عن طريق رسم خارطة العراق بواسطة قبّعات الطالبات لإثبات أنّ الوطن واحد، والشعب واحد ولا يمكن تفريقه، ورفعنا علم بلادنا لنثبت حبّنا له. أمّا فيما يخصّ البرامج التي قدّمت في اليوم الأول، فكانت على مستوى عالٍ من التنظيم والتنسيق، والدراسة المسبقة لمدى جدواها بعد أن ينتهي الحفل، إذ ركّزنا كثيرًا على العروض المسرحية؛ لتكون هادفةً فكريًا، وعقائديًا، وتوجيهيًا، وتناقش بعض الشبهات المثارة وإيجاد الحلول لها، وأيضًا تناقش أساليب التعامل بين الزوجين، وتعامل الأمّ مع الأبناء. ولكلّ برنامج أثر يتركه في المشاركة، فهناك تغيير بدا واضحًا على أغلب الطالبات من ناحية الحجاب والحشمة، وهذا ما أعرب عنه الأهالي بحسب تعبيرهم أنّهم لاحظوا تغييرات إيجابية لدى بناتهم سواء في السلوك أو أسلوب المعاملة، وهذا هو هدفنا، أي إعداد امرأة محتشمة ومربّية حقيقية في المستقبل، فعندما تؤسّس أسرة صالحة، فأنّ الفائدة كلّها تعود على المجتمع، وعن طريق (رابطة بنات الكفيل التطوّعية) وتواصلهم مع الطالبات اللاتي سيلتحقن بالرابطة فيما بعد للمشاركة في الخدمة داخل العتبة العبّاسية المقدّسة، سنلحظ التغييرات الكبيرة التي طرأت على الفتيات. وأكّدت الكناني على فضل شهداء العقيدة، تلك الثلّة التي ضحّت بدمائها وأرواحها خدمةً لأرض الوطن بعد السنوات المريرة من وجود داعش، ولولاهم لما استطعنا أن نصل إلى ما نحن عليه اليوم، وأقلّ ما يمكن أن نقدّمه بحقّهم وبحقّ بطولاتهم وتضحياتهم ودمائهم هو استذكار عوائلهم وتكريمهم. وأضافت الكناني: أنّ للعلم والعلماء الأثر الكبير في بناء أبناء المستقبل، وتكريمًا للعلم وللعلماء ولمن صنعوا الأجيال كان هناك مقترح من قبل المتولّي الشرعي للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) هو أن ندعو مجموعة من الخرّيجات الرائدات ـ المتخرّجات في الدفعات الأولى من الجامعات العريقة ـ من جامعة بغداد، وجامعة المستنصرية، وجامعة الموصل، وجامعة البصرة، ومن مختلف الطبقات والأديان، فكان هناك أتباع السيّد المسيح مثلًا، وكنّ مسرورات جدًا بدعوتهنّ وحضورهنّ. المسار الصحيح وفي لقاء حصري مع أ. م. د نوال عايد هلّول الميّالي/ مساعدة رئيس الجامعة للشؤون العلمية، بشأن أهمّية حفل التخرّج ودوره في تعزيز القيم الأكاديمية والاجتماعية؛ لنستشرف معها تطوّرات هذا الحدث الجامعي وتأثيره في الطلاب والمجتمع، إضافة إلى التحدّيات التي تواجهها هذه التقاليد في العصر الحديث، فبيّنت: في الحقيقة يعدّ حفل التخرّج من التقاليد التي دأب عليها الطلبة المتخرّجون في كلّ جامعات العالم، فيحتفلون بخروجهم من دائرة الدراسة إلى ميدان العمل، والانتقال من المرحلة الدراسية إلى مرحلة امتهان مهنة ما، والخروج إلى دائرة التطبيق العملي، وقد حظي هذا التقليد بشيء من الاهتمام في الجامعات، والكثير من الاهتمام من قبل الطلبة أنفسهم، ولاحظنا في السنوات الأخيرة أخذ هذا التقليد ينحو منحىً لا يليق بالطالب الجامعي ولا بالتقاليد والأعراف الجامعية التي يتّسم بها مجتمعنا، ولاحظنا الالتفاتة الجميلة التي قامت بها العتبة العبّاسية المقدّسة عبر تنظيم فعّاليات كهذه؛ للحفاظ على أصالة التقاليد والتي تعكس الواقع الفكريّ والاجتماعي لطلبة جامعاتنا الذي تميّز بالرقيّ والهيبة والتنظيم. وأضافت الميّالي: أنّ هذه الفعّالية والمهرجان الكبير للاحتفال في منطقة بين الحرمين يحظى بنفحات من الألطاف الموجودة في المكان، فهي أطهر بقعة من بقاع الأرض وما تحويه هذه الأرض المقدّسة من تاريخ للفداء وقدسية تجعل المثول فيها وتأدية القسم والالتزام بالتعاليم لخدمة الوطن، تجعل لها تأثيرًا نفسيًا شديدًا، وحالةً عاطفيةً ووجدانيةً عاليةً، فيكون لحفل التخرّج تأثير كبير في الطلبة أنفسهم، واكتسب محبّتهم الكبيرة، وباتوا يشعرون برغبة أكبر بالتواجد في احتفاليات كهذه. وبيّنت الميّالي: في الواقع هناك هجمات فكرية وثقافية في كلّ بقاع العالم على المرأة المحافظة، تدعو إلى تفكّك الأسرة والمجتمع، وتصبغ المجتمع بالصبغة التي تروّج لها، وترك أيّ مجتمع عرضةً لهكذا تيارات، يؤدّي إلى تفكّكه وانهياره؛ لذلك نحن بحاجة ماسّة إلى ما يحافظ على لحمة الشعب ويظهره بمظهره الحقيقي الإسلامي الذي يتّسم بالعفاف والرقيّ والاحترام والحشمة، ونحتاج في كلّ مكان إلى مجموعة من القدوات؛ لأنّه لا تكفي قدوة واحدة في مكان واحد للتأثير في المجتمع، وتغيير أفكار الناس، ونحن نعتقد أنّنا الآن في المسار الصحيح، لكن هذا الموضوع يحتاج إلى سنوات؛ لكوننا بحاجة إلى بناء فكري وبناء سلوكي، وقدرة على اتّخاذ القرارات وموازنة الحوارات وتحليلها لتحقيق تلك الأهداف. وختامًا أقدّم تحياتي لشعبة مدارس الكفيل الدينية النسوية، وأسأل الله تعالى أن يتقبّل مجهودهم وسعيهم هذا، وأهنّئهم على هذه المشاريع وعلى ما يتلقّونه من دعم من قبل العتبة العبّاسية المقدّسة متمثّلة بمتولّيها الشرعي (دام عزّه) وأدعوهم إلى تقديم المزيد من الجدّ والمثابرة؛ لأنّها في الحقيقة فرصة لتقديم الطاقات النسوية وإبداعاتها التي تقدّمها، والفعّاليات التي تظهرها وتخدم البلد وتعكس ما تتمتّع به نساؤنا من أصالة وعراقة وصفات مميّزة في المرأة العراقية لتظهر لنا المرأة بواقعها الحقيقي لا المرأة التي يصدّرها لنا الإعلام بنسخها المشوّهة. اجتمعت الأصوات واندفعت الأنفاس؛ لترسم صورة بديعة جسّدت حدود الوطن، وكلّما تباعدت المسافات، ازدادت الأفكار تلاحمًا وتماسكًا في مشهد يحمل في طيّاته وعدًا بمستقبل مشرق، ووطن متجدّد بعزم شبابه وإرادتهم الصلبة، وفي مساحة الوعي تمّ استعراض دور الحفل في نبذ الثقافات الدخيلة، وتعزيز الروح الوطنية، مع إبراز القيم العراقية الأصيلة، والتأكيد على الهوية الوطنية القائمة على التلاحم والوحدة.