غصة الروح

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 449

وأنا أترقّب ضياء نورها المعتاد، وأنتظر الإنصات لصوت تراتيلها العابقة من مرقدها المقدّس، تترجمها لواعج الاشتياق بترانيم بين دعاء وصلاة.. هي الترياق الشافي لقلوب أرهقها الخذلان تناهى إلى مسامعي صوت الأذان من مآذنها مخنوقًا، اختنقت به أنفاس الفجر.. فأدمعت طرفي شهقات روحها التي تعالت نحو ملكوت السماء، تنعى الضمير المسجّى في النعش ذليلًا.. ومن رماد انتظارها تصاعد دخان انتشر في سمائها، يغطّي نجومها بسحب الألم.. أتحسّس على أعتابها أعاصير من الذكريات.. زلزلت أركانها الواثقة، وفجّرت ينابيع أحزانها الدفينة.. أغرق شوارعها بظلام وحشة الغياب ووجع الغربة.. أقف في أوج ذهولي عند مفترق الطرق، أبحث عن تلك الغصّة التي أفجعت مدينتي سامرّاء، وكستها بصفرة هول المصيبة.. علّني أعثر على الحدث الأجلّ على قلبها المثقل بالهموم.. وعلى الرغم من نفحاتها العطرة المنتشرة، لكنّها لم تستطع أن تخفي آثار تلك المرارة التي ذاقها ضريحها المقدّس.. مرارة الفقد التي لا تنتهي.. وهذه المرّة أنين الوداع سيرافقنا إلى الممات، فها هو سيّد من سادات العالم، انبثقت آيات الله من ثغره لؤلؤًا ومرجان.. فلذّة زاكية من صاحب الرحمة الكبرى، إمام هدىً صادق لم تتركه يد الغدر والحقد إلّا وأخمدت نوره.. ليمضي مثلما مضى آباؤه الطاهرون (عليهم السلام) مسمومًا بسمّ المنصور بالشيطان في الدنيا، والمذلول في الآخرة أمام ربّ العباد، وحشره مع فرعون وحزبه.. ليكمل حزب الشيطان ما بدأه هو من ظلم لآل البيت (عليهم السلام)، فيهدموا قبر الصادق (عليه السلام) وتمنع زيارته.. لم نر حقدًا كهذا قطّ، يمازجه غلّ متوارث لأجيال.. لكنّه الصادق (عليه السلام) منبع من منابع الضياء، هو ذاك السلام الذي يتغلغل إلى الأرواح، فيشعشع بين الجوارح بألق اللقاء.. إنّه الصادق الذي أطلق آخر أنفاسه لحفظ رسالة السماء، لتستفيق مدينتي سامرّاء على كسر الفراق الذي لن يجبر مهما مرّت الأيام والسنين والدهور.. سامرّاء، أيّتها الساكنة بين كلّ نبضاتنا وخفقاتنا.. عودي تلك المتوهّجة بالسنا، فكلّ من عانقت ذكراهم في عشق خالد، نفذ نورهم إلى الأرواح، فأضاء عتمتها وأنقذها من الضياع.. عودي وأعيدي فينا لهفة الانتظار للظهور المرتقب.. وأعيدي فيّ ذلك الشوق لجمال اللقاء..