رياض الزهراء العدد 205 الحشد المقدس
أصحاب الخلود
على الرغم من اتّساع رقعة الألم، إلّا أنّ نسائم الأمل ما تزال تنثر أريج عبيرها فوق رؤوس المدافعين وهم يسقون في شرفاتهم الصغيرة أحواض الأمان من دمائهم؛ ليشيّدوا من أجسادهم أسوار السلام لتلك البيوت الصغيرة، خشية هدمها كبيوت ساداتنا في بقيع قلوبنا. لم يعد يساورنا سوى الدمع، فأصبحنا في حيرة: على أيّ بيتٍ وقرآنٍ نبكي؟ وأحداقنا تبصر وجوه الذين عاثوا في الأرض فسادًا تتهلّل فرحًا، كأنّ الأمس عاد ليطوي تحت ردائه ألف وجع، ورائحة الخريف مرّت على ربيع بيوتنا وقلوبنا، فأخذت تتساقط من أشجار الحياة ورقةً، ورقةً، فكلّ شيء كان تائهًا، كأنّ العراق في كلّ لحظة يمرّ به الموت كضيفٍ ساذج، وما نزال في مواجهته، ومع كلّ رصاصة تخرج من فوهة بنادقنا ننادي: عراق، عراق، أيّها الحبيب من الذي أوجعك؟ لقد ألهمتنا عيناك المفتوحتان على الرغم من الوجع ودخان احتراقك المنبعث من قاع قلبك، كأنّ روحك قد هجرتك كغصنٍ رفيع تسوقه الرياح بهواها، لا بل أنت هكذا من دون (كاف) التشبيه وما هوينا، فـ(هاء) الهزيمة فينا عين لا تكترث ـ عزيمة ـ فقد قال تعالى: )فإنّ مع العسر يسرًا○ إنّ مع العسر يسرًا( (الشرح:5ـ6). وقد أخبرنا الذين سبقونا بأنّهم سيعودون في أيّ لحظة إلى أوطانهم؛ لكنّنا أيقنّا من قبل أنّ الفردوس يبدأ من أطراف عبائتك. لا تكترث أيّها الحبيب، فستعود بنا ونعود نحن بك شهداء محمولين على أكتافك المتعبة من توابيتنا، وكلّ شيء من حولنا يصرخ ويئنّ، ولسان حال الملائكة يقول: يا أصحاب الخلود، قد جاءكم الشهداء، فافرشوا الأرض ورودًا، وامنحوهم السرور، فينادون جميعًا: أهلًا بكم يا أبناء الحسين.