ابنتي والكتابة
بنيّتي الجميلة، ورفيقتي النبيلة، اعلمي يا نور عيني أنّ القلم سفير العقل، وترجمانه الأفضل، به تحفظ العلوم وتنتقل المعارف، ويرسم الطريق نحو رياض التألّق والعيش الكريم الهادف، فهنيئًا لمن سخّره لخدمة قضايا الخير، وسطّر به ما يأخذ بيد القارئ إلى رحاب النور. ولكن ياعزيزة أمّك، أوصيك قبل الاهتمام بقلمك أن تهتمّي بقلبك، فما يشغله سيسطّر في كتاباتك؛ ليخبر عن مكنوناتك. فقلمك يا بنتي يقوم مقامك، ويترجم محتواك، ويحكي حالك، فاحذري يا مصدر فخري من كلّ كتابة لا تحكي عمق التزامك، أو تروّج لأمر لا ينسجم مع تعاليم دينك، ولا يتوافق مع مبادئك. احذري يا ضياء بصري أن تلبسي الرذيلة ثوب الفضيلة، أو تحرفي مسار الأمور طمعًا بجاه زائف، أو دنيا زائلة، واسعي يا شمس حياتي لأن يكون قلمك وقفًا لدينك، مترجمًا حبّك لخالقك، كاشفًا عن عمق انتمائك، وتمسّكي بهدي نبيّك وصراط أئمتك (عليهم الصلاة والسلام)، ناصرةً لإمام زمانك، داعيةً إلى سبيل الخير والرشاد، نائيةً بالقرّاء عن طرق الغيّ والفساد. وتذكّري يا بهجة عمري قبل أن تكتبي أيّ كلمة أنّك راحلة، وعن كلّ ما سطّرته أناملك مسؤولة، وأنّ ما ستتركينه وراءك من آثارك قد يكون -لا سمح الله تعالى- سببًا في عذابك وشقائك، أو بابًا لارتقائك وعلوّ درجاتك، والتنعّم بالسعادة في برزخك. فجدّي واجتهدي يا بسمة يومي وغدي، وتسلّحي بالعلم والمعرفة والثقافة، وتواضعي لأهل الخبرة والكفاءة، وخذي منهم زاد رحلتك، واملئي فضاء روحك بوقود الصدق والإخلاص للوصول إلى بغيتك، فحينما يكون القلب صادقًا، والهدف نبيلًا، والحرف مؤثرًا، والنبض مجدافًا، والورق زورقًا، حينها ستبحرين في محيطات الكلمة الطيّبة التي تحيي النفوس بجمالها الآسر، وترسمين جزيرة العطاء التي يؤمّها طالبو الحياة الحقيقية، فيخرجون منها بأنفس الدرر وأعظم الذخائر. غاليتي: اكتبي في كلّ الفصول، وزيّني بأزهار حروفك جميع الحقول، وأدخلي بما تخطّه يمينك السرور على الرسول وآل الرسول (صلوات الله عليهم أجمعين)، ففي الصيف اجمعي كلّ إبداعك في صنع غيمة سخاء، تمطر بالعطاء والنماء، وفي الخريف وظّفي حروفك في استبدال الأوراق التالفة التي اكتظّت بها أشجار النفوس المتعبة، بأوراق جديدة زاهية طيّبة، وفي الشتاء اجعلي كلماتك شموسًا مشرقة تذيب بدفئها الجليد المتراكم على الأرواح، وفي الربيع سخّري سطورك في ريّ كلّ البراعم الفتيّة التي تتفتّح زهورًا نديّة في بساتين حياة الفتيات اليومية، وتروي قلب كلّ مؤمنة قاست البعد والعناء، وترسم أمامها سبل العودة والعروج والارتقاء، وتأخذ بيدها للارتباط بسيّدة النساء، أمّنا الزهراء (عليها السلام).