سيّدة من بيت العصمة

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 183

إنّ النقطة التي يفترق فيها الإنسان، ويصنّف على أساسها إمّا كافرًا وإمّا مؤمنًا هو الإيمان بالغيب وعدمه، فالمؤمن هو الذي آمن بالله تعالى ورسله، واليوم الآخر، وعقد قلبه على ذلك، وامتثل لكلّ الأوامر السماوية، ووافق ظاهره باطنه، فالإيمان ليس مجرّد شعارات فارغة، بل هو التزام بمنظومة القيم والمبادئ، ينبعث من الأفئدة والقلوب، ويظهر على الجوارح والجوانح، وهو صورة روحانية تتجسّد وينعكس صداها على الفضاء المادّي، ومن هنا نجد الروايات الشريفة تصف المؤمن بمجموعة من الصفات والسجايا الحميدة، وهذه الصفات هي التي يمتلكها المؤمن الحقيقي، وكلّ منّا يسعى إلى أن يصل إلى هذا الإيمان بالبحث عن القدوة التي جسّدت تلك الصفات على أرض الواقع، وليس هناك فوق أهل بيت العصمة (عليهم السلام) أحد جسّد الإيمان كلّه، ثم يأتي بعدهم الأقربون إليهم، وهي صفات وسجايا معنوية باطنية لا تدرك أو تلاحظ بالحواسّ، وما أروع كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما وصف المتّقين بقوله: "إذا زكّي أحدهم، خاف ممّا يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربّي أعلم بي من نفسي"(١)، فالإنسان أدرى بنفسه من غيره، ومع ذلك لا يعلم كيف تكون عاقبة أمره، إلّا الذي يحصل على توثيق ووصف من قبل الله تعالى، أو من المعصوم، فيكون أدلّ عليه من نفسه؛ لأنّ المعصوم يحكي عن تمام الواقع بما له من معنى، فعندما نريد معرفة الأبعاد التي يتمتّع بها هذا الإنسان، فعلينا ملاحظة تأييده من قبل المعصوم وما يكشف عنه من صفات، ونكون قد خلصنا إلى تمام معرفة صفاته وبيان حاله، ومن الرائع أن ننظر في سيرة أمّهات المعصومين (عليهم السلام)، ونتّبع خطاهنّ لنصل إلى رضا الله تعالى بحبل وثيق لا يتّصل بالباطل ولا بكلمة، ومن هذه الشخصيات العظيمة التي حظيت بتأييد من المعصوم زوجة باقر علوم الأولين والآخرين، ووالدة ينبوع العلم ومعدن الحكمة واليقين الإمام جعفر بن محمّد الصادق الأمين (صلوات الله عليهم أجمعين)، السيّدة فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وكنيتها (أمّ فروة)، كان أبوها من ثقاة أصحاب الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وأحد فقهاء المدينة السبعة، كانت السيّدة فاطمة بنت القاسم (عليها السلام) من الصالحات القانتات الفقيهات، ومن خير نساء أهل زمانها عفّةً وشرفًا وفضلًا، فقد تربّت في حجر أب تقيّ صالح، ثم تلقّت المعارف الإلهية من زوجها الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)، وكانت على جانب كبير من الفضل حتى أصبحت مرجعًا للنساء في المدينة وغيرها في أمورهنّ الدينية، وحسبها فخرًا وشرفًا أنّها صارت أمًّا للإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وكانت تعامل بإجلال واحترام من قبل زوجها الإمام الباقر (عليه السلام) وباقي أفراد العائلة النبويّة، وجاء عن حفيدها الإمام الكاظم (عليه السلام) بشأنها: "كان أبي (عليه السلام) يبعث أمّي وأمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة"(٢)، وعن ابنها الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "كانت أمّي ممّن آمنت، واتّقت، وأحسنت، والله يحبّ المحسنين"(٣)، ويكشف قول الإمام هذا عن مرتبة عالية من الإيمان وصلت إليها، حتى جعلته (عليه السلام) يصفها بهذا الوصف العظيم، والمعصوم لا ينطق إلّا بالحقيقة والواقع بدون أيّ مبالغة أو مجاز، فقد كشف عن واقع فعلي تعيشه هذه السيّدة الجليلة، واقع يجعلهم نعم القدوة، وخير ترجمان للإيمان في شتّى مفاصله. ......................................... (١) أمّهات الأئمة المعصومين: ج2، ص49. (٢) المصدر نفسه، ص48. (٣) الإمام الصادق (عليه السلام) من المهد إلى اللحد: ص81.