"لا يقنطنك تأخير إجابة الدعاء"

نرجس نعمة الموسويّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 118

الدعاء من الآداب المهمة التي يعتقد بها المؤمنون، حتى أصبح من خصائصهم التي يتميزون بها، وقد ألفوا في فضله وآدابه وأهميته الكتب الكثيرة، وقد أثر عن العترة الطاهرة (عليهم السلام) الكثير من الأدعية التي تضمنت مختلف العلوم والمعارف الروحية والأخلاقية والفكرية، وغيرها، كأدعية الصحيفة السجادية وأدعية سائر المعصومين (عليهم السلام)، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "لا يقنطنك تأخير إجابة الدعاء، فإن العطية على قدر النية"(1)، وينبغي للإنسان المؤمن أن يكون دعاء، أي كثير الدعاء، فهو خير طريق ومنهج، من شأنه أن يعيد صياغة الإنسان؛ لما له من تأثير في روحه ونفسه وسلوكه، بخاصة الدعاء في الخلوات بالأدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلى أغوار النفس، حيث تحملها على التهذيب والمحاسبة، فبالدعاء والإلحاح تستعيد النفس فطرتها السليمة شيئًا فشيئًا، إذ يشكل الدعاء ارتباطًا وثيقًا بين العبد وربه، وينبغي عدم القنوط من تأخر إجابة الدعاء، ففي كل الأدعية التي يرفعها العبد إلى الله (عز وجل) قد يلاحظ عدم استجابتها، وهذا لا يدعو إلى اليأس من قدرة الله جل وعلا، إذ إن إيمان العبد يختبر في تأخير إجابة دعوته، فربما تأخرت الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما يسأل المرء شيئًا فلم يؤته، بل يرزق خيرًا منه، سواء عاجلًا أم آجلًا، وهذا من مظاهر عطف الله ورحمته بعباده، فرب أمر يطلبه الإنسان وفيه هلاك دينه ودنياه وهو لا يعلم، وقد يكون عدم استجابة الدعاء أيضًا بسبب عدم تحقق شروط الدعاء، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "احفظ آداب الدعاء...، فإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة، واعلم أنه لو لم يكن الله أمرنا بالدعاء لكنا إذا أخلصنا الدعاء تفضل علينا بالإجابة، فكيف وقد ضمن ذلك لمن أتى بشرائط الدعاء"(2)، فيلزم أن يتأدب العبد ببعض الآداب في أثناء الدعاء؛ ليحقق شروط الاستجابة، ويستدر في دعائه رحمة الله (عز وجل)، ومن جملة هذه الآداب والشروط معرفة الله تعالى، والثقة به وباستجابته، وحسن الظن به، ويتحقق ذلك بعد المعرفة، فإنْ عرف العبد ربه بصفاته الكمالية الجمالية والجلالية، امتلأ صدره بحسن الظن، وهو أدب مهم جدا. وأيضًا يلزم أن تكون للعبد رغبة صادقة وطلب جدي لينبثق دعاؤه من أعماقه، وأن يخلص عند الدعاء، لا أن يدعو بقلب ساهٍ، بل يتوجه بقلبه وجميع جوارحه، ويلح بالدعاء، فإن الله يحب العبد اللحوح، وأن يتمسك بالعروة الوثقى وهم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، ويتوسل بهم إلى الله تعالى، ويوسطهم في طلب حوائجه، فإن لهم عند الله جاهًا عظيمًا، وأن يدعو في مظان إجابة الدعاء المعروفة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدعاء عن الله تعالى: في أثر المكتوبة، وعند نزول المطر، وظهور آية معجزة لله في أرضه"(3)، ولا تزال هناك الكثير من الشروط والآداب الخاصة بالدعاء مذكورة في محلها. ............................ (1) ميزان الحكمة: ج2، ص884. (2) بحار الأنوار: ج90، ص322. (3) الأمالي للشيخ الطوسي: ص280.