رياض الزهراء العدد 206 شخصيات ملهمة
الجنة الموعودة: السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)
وإن تلبدت سماء المجتمع بمظاهر الفساد، فهناك دومًا بصيص أمل يطل علينا من نوافذ الغيب إلى عالم الشهود، فنحن الذين أنعم الله عليهم من كنوز الآخرة الكثير، وجعل لنا جسورًا نخترق عن طريق عبورها حجب الغيب؛ لنصل إلى ريح الجنة، والتوفيق للشفاعة من أوليائه الصالحين، إنهم أهل البيت (عليهم السلام)، الأنوار الزاهرة. ليس هناك أي مانع يمنع المرأة من بلوغ أعلى المراتب الكمالية، والتحليق عاليًا في سماء الفضيلة والمجد، فبزغت السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم (عليهما السلام)، ولجلالة قدرها ومكانتها السامية، حملت ألقابًا عديدة تدل على عظمتها، منها (المعصومة)، و(أخت الرضا)؛ لشدة صلتها بأخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، ومنها (النقية، التقية، الرضية، الصديقة)، وغيرها العديد، وهذا ليس بالغريب على من عاشت وترعرعت في بيت العصمة، ونشأت وتتلمذت على يد الإمام الرضا (عليه السلام) بعد أن ورثت من أبيها الإمام الكاظم (عليه السلام) ما جعلها تكون من العالمات العابدات، فما هي إلا فرع زاكٍ من تلك الشجرة الطيبة، واهتمت اهتمامًا كبيرًا بالحديث الشريف، فهي من الذين يعرفون أهميته، ومدى ثقله، واهتمام أهل البيت (عليهم السلام) به، فحرصت أشد الحرص على حفظه وتعليمه وإتحاف من يطلبه. ولم يكن عهد فاطمة المعصومة (عليها السلام) كسائر العهود، فقد عاشت أيامًا مليئة بالمحن والصعوبات التي رافقت مسيرة أهل البيت (عليهم السلام) طوال التاريخ، فبنو العباس قد أمعنوا في الأذى لأهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وقد عاصرت السيدة المعصومة (عليها السلام) كل تلك المحن وتحملت الأذى صابرةً محتسبةً، ففي مقتبل عمرها ألمت بها وبأخوتها وأخواتها مصيبة فقد أبيها مسجونًا في سجون الظالمين، ثم انتهت تلك المصيبة إلى قتله مسمومًا، مثلما عاشت لحظات الفراق الأليم الذي سيق إليه الإمام الرضا (عليه السلام) مرغمًا من المدينة المنورة، حيث قال لعياله: "أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدًا"(1)، من هنا بدأت رحلة الشوق إلى أخيها، والكفاح في تبليغ دينها؛ لتكون فاطمة المعصومة (عليها السلام) بابًا من أبواب الجنة التي شيدت في هذه الدنيا، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها، وما أوسع هذا الباب المبارك الذي هو تجلٍ من تجليات رحمة الله تعالى، حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "ألا إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي، اسمها فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم"(2)، فبدفاع السيدة المعصومة (عليها السلام) عن الإمامة وفاءً بعهد الله، وتحملها كل الأذى صابرة في هذا السبيل، قد جسدت قوله تعالى: ﴿ٱلذین یوفون بعهۡد ٱلله ولا ینقضون ٱلۡمیثـٰق○ وٱلذین یصلون ماۤ أمر ٱلله به أن یوصل ویخۡشوۡن ربهمۡ ویخافون سوۤء ٱلۡحساب○ وٱلذین صبروا۟ ٱبۡتغاۤء وجۡه ربهمۡ وأقاموا۟ ٱلصلوٰة وأنفقوا۟ مما رزقۡنهمۡ سرࣰا وعلانیةࣰ ویدۡرءون بٱلۡحسنة ٱلسیئة أو۟لـٰۤىٕك لهمۡ عقۡبى ٱلدار○ جنـٰت عدۡنࣲ یدۡخلونها ومن صلح منۡ ءاباۤىٕهمۡ وأزۡو ٰجهمۡ وذریـٰتهمۡ وٱلۡملـٰۤىٕكة یدۡخلون علیۡهم من كل بابࣲ○ سلـٰمٌ علیۡكم بما صبرۡتمۡ فنعۡم عقۡبى ٱلدار﴾ (الرعد:20ـ24)، فنعم عقبى الدار هي حقيقة أثبتها الإمام الرضا (عليه السلام) حين ذكر في ثنايا زيارتها (سلام الله عليها): "يا فاطمة اشفعي لي في الجنة، فإن لك عند الله شأنًا من الشأن"(3)، وهذا الأمر يعطينا دروسًا عديدة، منها أهمية الارتباط الوثيق بالإمام المعصوم، كارتباط فاطمة المعصومة (عليها السلام) بأخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، ومنها أن الألقاب التي يحملها الإنسان ينبغي أن تكون عملية لا إعلامية فارغة جوفاء لا جوهر فيها، ومنها أن يكون للإنسان أهداف سامية يسعى للوصول إليها، ففاطمة المعصومة (عليها السلام) كان هدفها لقاء الإمام الرضا (عليه السلام)، وبطبيعة الحال كان لها اللياقة العظيمة التي تؤهلها للتشرف بلقاء المعصوم (عليه السلام)، فنتعلم منها أن نكون لائقين للتشرف بلقاء المعصوم (عليه السلام)، والتشرف بنصرته، والكون في عداد جنده. ..................... (1) مسند الإمام الرضا (عليه السلام): ج1، ص185. (2) فاطمة المعصومة (عليها السلام) الجنة الموعودة: ص13. (3) المصدر نفسه: ص33.