رياض الزهراء العدد 206 استطلاع رأي
ظاهرة الكلام البذيء عندالأطفال: أسبابها وعلاجها
الحياة مليئة بالتحدّيات والصعوبات، وواجب الأهل تجاه أطفالهم هو إعدادهم نفسيًا وعاطفيًا واجتماعيًا لمواجهة هذه التحدّيات، وخوضها والتعلّم منها؛ لكي يتمتّع الطفل بحصانة نفسية وفكرية، وتكون لديه القدرة على مواجهة مشاكل الحياة أيًّا كانت من دون أن تؤثر فيه سلبًا، وإذا لم ينجح في أمر ما، فيجب تشجعيه على تكرار التجربة مرارًا للحصول على ما يطمح إليه، ولمنع الأطفال من تقليل الاحترام لوالديهم ومَن هم أكبر سنًّا منهم، فمن المهمّ أن يجسّد الوالدان المَثل الأعلى بالنسبة إلى الأطفال؛ لذلك يجب عليهما تقديم أنموذج يُحتذى به من أجل التواصل البنّاء والإيجابي، والابتعاد عن الكلام البذيء. قد أجرينا استطلاعًا للرأي بهذا الشأن، وقد بيّنت أ. د سعاد سبتي الشاوي/ مركز الإرشاد الأسري/ بغداد قائلةً: الكلام البذيء يعني استخدام كلمات وألفاظ غير مقبولة اجتماعيًا، ولكي نمنع صدوره من الطفل، علينا أن نعرف الأسباب التي تجعله يستخدم كلمات كهذه، وعلينا أن ندرك أنّ كلّ طفل قد يصدر منه ذلك، وهذه الحقيقة ستساعدنا على عدم الشعور بأنّ المشكلة كبيرة، بل يمكن حلّها بسهولة. ومن أسباب الكلام البذيء عند الأطفال هو تقليد الآخرين، فالطفل يكرّر ما يسمع من مصطلحات من الوالدين أو الأشخاص المحيطين به، وأيضًا من الأسباب لفت انتباه الآخرين إليه، فقد يستخدم الطفل الكلمات البذيئة عندما يشعر بالإحباط أو الغضب، وقد يردّدها من دون فهم لمعناها، أو لتحدّي سلطة الكبار. ويمكن علاج الكلام البذيء عند الطفل منذ البداية بأن يكون أولياء الأمور بمنزلة القدوة بعدم استخدام الكلام السيّء في أحاديثهم، ثم استخدام أسلوب التجاهل لما يقوله الطفل مع تجنّب الضحك لعدم تشجيعه؛ لكيلا يشعر بأنّ ما قام به هو مصدر استحسان للآخرين، وإذا قام الطفل بتكرار الكلمات البذيئة، فيجب تنبيهه إلى قبح ذلك بشكل مبسّط من دون رفع الصوت عليه، وتجنب العنف أو الغضب، واستخدام أسلوب الحرمان من شيء يفضّله كالنزهة أو لعبة ما، وفي المقابل يجب تقديم المكافآت المعنوية عند ترك الكلمات البذيئة، كالإطراء عليه، أو أخذه إلى التنزّه، أو شراء شيء يحبّه، فضلًا عن ذلك يجب تقديم شرح مبسّط للطفل بأنّ استخدام الكلمات البذيئة يعبّر عن عدم احترام الفرد للآخرين، وهو أمر غير مقبول، ثم تشجيعه على التعبير عن غضبه والإحباط الذي يمرّ به بطريقة مقبولة عبر استخدام عبارات جيّدة. وقد شاركتنا الرأي الإعلامية آيات مالك الخطيب قائلةً: ممّا لا شكّ فيه أنّنا من أجل حلّ أيّة مشكلة تربوية لابدّ لنا من البحث عن مسبّباتها، وموضوع صدور الكلمات البذيئة من الأطفال، يتعلّق بالناحية التربوية والأخلاقية لأطفالنا، فربّما تكمن الأسباب في البيئة العائلية، حيث يكون الاكتساب مباشرًا، كأن يسمع الطفل تلك العبارات من أحد أفراد الأسرة، أو من البيئة المحيطة كالمدرسة، أو الأصدقاء، أو الأقارب، أو غيرهم، أو من طرق أخرى كوسائل التواصل والبرامج الإلكترونية والتلفاز، وتختلف الحلول بحسب كلّ حالة، وربّما تكون أنجع الحلول هو إبعاد الطفل عن تلك البيئة التي تعلّم منها، فإن كان المسبّب هو العائلة، فلابدّ من إصلاح سلوك أفرادها، وإن كان مكتسبًا من مصادر أخرى، فيمكن إبعاد الطفل عنها. والخطوة التالية تكمن في توضيح سوء هذا السلوك للطفل وسبب كونه خاطئًا، أيًّا كان مسبّبه، والأمر الآخر يتجلّى في ردّ الفعل الذي يصدر عن الوالدين عند سماع الكلام البذيء من طفلهما، فمن الخطأ الضحك في وجهه، بل لابدّ من إبداء الاستياء من كلامه. وبيّنت السيّدة عهود فاهم العارضي/ كاتبة، رأيها: إنّ من نِعم الله تعالى على الوالدين أن جعل الطفل يأتي إلى الدنيا وهو كالصلصال في أيديهما، يشكّلانه كيف يريدان، فالطفل يكتسب من محيطه كلّ حركة وكلمة، والوالدان هما المسؤول الأول عن تشكيل البنية النفسية والأخلاقية للطفل، فهو بطبيعته ذكي، ولديه القدرة الكبيرة على التقليد والحفظ، وقد يلجأ الطفل إلى استخدام الألفاظ البذيئة من أجل جذب انتباه الآخرين، ودومًا تكون الوقاية خير من العلاج؛ لذلك نحتاج إلى مراقبة محيط الطفل والتأكّد من كونه سليمًا وبعيدًا عن هذه التصرّفات. بينما قالت الطبيبة المقيمة الدورية يمن سلمان الجابري: إنّ مرحلة الطفولة مرحلة بناء للإنسان، وهي مرحلة حسّاسة ومهمّة في الحياة؛ لكونها تمثّل الخطّ الأول الذي سيسلكه الإنسان، ونجد المعصومين (عليهم السلام) قد أولوا هذه المرحلة اهتمامًا فائقًا، وقسّموها إلى عدّة أقسام، ولكلّ قسم حقوقه وواجباته، لكن ما يؤرّق الأذهان هي التحدّيات التي يفرضها الواقع والمواقع الإلكترونية وتغيير التيار التكنولوجي للعديد من المفاهيم المهمّة، ومن أهمّها مفهوم التربية الصحيحة للطفل، فالطفل في الغالب يكون كالمرآة التي تعكس واقع بيئته، كالأهل، والجيران، والأصدقاء، والمدرسة، وغيرها، والطفل ذو التربية الرصينة يدلّ على وجود أسرة قوية مثقّفة. أمّا صدور الكلام البذيء من الطفل، فهو انعكاس لما يسمعه، حتى قيل: (انظر وتعلّم، واسمع وتكلّم)، ومن أسباب هذه الحالة السقيمة: ١- ربط الطفل بالمواقع الإلكترونية التي تنشر المحتوى الهابط. ٢- طرح المشاكل الأسرية والنقاش العقيم أمام الطفل. ٣- إهمال الطفل وتركه ضحية للشارع والأصدقاء بسبب انشغالات الأهل بأمور الحياة. أمّا العلاج فيكون عبر النقاط الآتية: 1ـ تحديد عدد الساعات لاستخدام الهواتف الذكية يوميًا وبرمجتها بصورة صحيحة، كمتابعة القنوات التعليمية والتثقيفية الهادفة، وحجب المواقع الخاصّة بالبالغين. 2ـ التفاهم الأسري وترديد العبارات الودّية التي تخلق جوًّا هادئًا لصنع شخصية سليمة وقوية للطفل. 3ـ الحرص على وجود كبار السنّ في الأسرة؛ لأنّه عامل في غاية الأهمّية في التربية، فالطفل بفطرته ميّال إلى سماع القصص والمغامرات، والجدّ والجدّة لهما الخبرة في احتواء الحفيد وسرد القصص، وتعليمه. 4ـ تنفيذ مبدأ العقاب والثواب، فإن أساء الطفل في كلامه، تُفرض عليه عقوبة ما، وإن حسن منطقه شيد به وأثني عليه. 5ـ خير مَن يقوّم منطق الطفل وشخصيته هو القرآن الكريم، فالاهتمام بتعليمه كتاب الله العزيز وتكرار سماعه له، كفيل بأن يصنع منه معجزة، ولا ننسى الاهتمام والدعم النفسي وأثره البالغ في اشتداد عوده. وأوضحت السيّدة زينب عبد الله العارضي/ كاتبة رأيها بوصف جميل: قلوب خضراء، طيور تغرّد في حياتنا أنغام السعادة والهناء، أقمار تضيء بإطلالتها البهيّة دياجي الظلام والعناء، إنّهم الأطفال، التحفة التي وهبنا الله جلّ في علاه، وسيسألنا عنها يوم نلقاه، يحاسبنا على ما غرسناه في حدائق صدورهم، وسنتكلّم بمحضره عمّا فعلناه بأوقاتهم وسني طفولتهم، فما أكثر بهجتنا إن كنّا قد أدّينا أمانتنا، وصنّا جواهر حياتنا، وأودعنا قلوب أولادنا كلّ ما يرضي الله تعالى عنّا، وما أتعس حالنا إن ضيّعنا وفرّطنا، وتجاهلنا وقصّرنا، حتى تصرّمت الأيام، وفاجأتنا بما لا نرتضيه من فلذّات أكبادنا في دنيانا وآخرتنا. وظاهرة الكلام البذيء عند الأطفال من المواضيع المهمّة التي ينبغي أن تحظى باهتمامنا، ولنعلم أنّنا كلّما كنّا بعيدين عن الأخطاء والعثرات في القول والعمل، كانت ألسنة أطفالنا أطيب وأجمل، فالطفل يلتقط ما نقول، ويكرّر ما يسمع، ونحن بصفتنا مربّين نكون بمنزلة القدوة التي يحذو الطفل حذوها، ويتأثر بكلّ ما يصدر منها، وفي حال حرصنا على ذلك، وأدّينا مسؤوليتنا كما ينبغي، ثم فوجئنا بتلفّظ أولادنا لبعض المفردات السيّئة، فهنا ينبغي أن نشرح للطفل خطأ ما قام به، وقبح ما أقدم عليه، ونبيّن له أنّ هذه الكلمات تسيء إليه قبل غيره، وتسلبه طهارة لسانه ونقاءه، مثلما أنّها تؤذي مَن يسمعها وتجرح مشاعره، وهذا ممّا لا ينبغي للمؤمن فعله، ومن الضروري إحاطة الأبناء بالحبّ والرعاية، ولا ننسى الحوار الدائم معهم، وإشعارهم بأنّنا الملجأ والملاذ الآمن مهما حدث ومهما كانت الظروف. أمّا السيّدة عبير عبّاس المنظور فعبّرت عن رأيها قائلة: لمنع الأطفال من التفوّه بالكلام البذيء، ينبغي المرور بعدة مراحل سابقة على المتعارف عليه في الأساليب التربوية الحديثة، ويبدأ الإعداد لذلك منذ الأشهر الأولى للحمل، فالجنين يسمع الأصوات الخارجية منذ منتصف الشهر الرابع من الحمل، وهذه الأصوات إمّا أن تؤثر فيه سلبًا أو إيجابًا تبعًا لمصدر الصوت، وهذا مثبت دينيًا وعلميًا، ثم بعد الولادة، يلتقط الطفل من محيطه الأسري؛ لأنّ الأسرة هي المحيط الأساسي لتنشئته وتشكيل شخصيته، وأسس اللغة والتخاطب كلّها تُخزّن في دماغه، فالطفل الذي يعيش في بيئة سليمة خالية من استخدام الألفاظ البذيئة، فبالتأكيد سيتعلّم من محيطه، وكذلك الطفل الذي يعيش في محيط مشبع بالعنف اللفظي والبدني سيتأثر بذلك، فالأساس الأول للطفل هو الأسرة وطبيعة سلوكها الذي تؤثر في اللاوعي عنده وبشكل تلقائي؛ لأنّ الطفل يحاكي أبويه وأخوته وسائر أفراد محيطه الداخلي. أمّا علاج هذه الظاهرة فيكون في مرحلتي الروضة أو المدرسة، أي في عمر التعليم والإرشاد؛ لأنّ الطفل سيكون مدركًا ومميّزًا للأمور الصحيحة من الخاطئة عبر التوجيه، ويتأكد التوجيه الأسري للطفل حينما تتداخل عليه المؤثرات في المحيط الثاني وهو المحيط الدراسي الذي يجمع كلّ أصناف الأطفال، وكلٌّ منهم يعكس محيطه. لعلاج هذه الظاهرة يجب اتّباع الآتي: ١- غرس معنى الكلمة الحَسنة في نفس الطفل وأثرها الدنيوي والأخروي، فنذكّره بالآيات الكريمة التي تحثّ على الكلام الطيّب، كقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة:83)، وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ (الإسراء:٥٣)، أي أنّ الشيطان يوقع بين البشر عن طريق الكلام السيّئ، ونعلّم الطفل أنّ الكلمة مسؤولية، فكلّ كلمة تسجّلها الملائكة لنا أو علينا وهو مصداق قوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق:١٨)، وهذا يعلّم الطفل أن يفكّر بالكلمة قبل أن يتفوّه بها. ٢- شرح معنى الكلمة السيّئة أو البذيئة للطفل ومدى تأثيرها، وإفهامه أنّ الله سبحانه قد شبّه في القرآن الكريم الكلمة الحسنة بالشجرة الطيّبة، والكلمة السيّئة بالشجرة الخبيثة، وعليه تكون الكلمة الطيّبة كالشجرة الطيّبة تثمر خيرًا في كلّ حين، والكلمة السيّئة كالشجرة الخبيثة التي لا تثمر إلّا الفساد والضرر، فضلًا عن تعليم الطفل أنّ الكلمة مفتاح لما يساوقها، فالكلمة الطيّبة مفتاح للخير، والكلمة السيّئة مفتاح للشرّ، وبذلك يكون قد فهم اللفظ الصحيح من الخاطئ.