حبال غير مرئية

زينب ناصر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 517

توجه معلم القرية في رحلة تعليمية مصطحبًا عددًا كبيرًا من تلاميذه في الصباح الباكر إلى مدرسة كانت على الجانب الآخر من الجبل، وبعد المشي لمدة ساعة وصلوا إلى مكان كان فيه عدد من الشباب كانوا يستريحون على جانب الطريق، عندما لمح الشباب مجموعة المعلم، بدؤوا بالسخرية منهم، وأطلقوا اسم حيوان لكل فرد من المجموعة، وكرروا هذه الأسماء غير اللائقة بصوت عالٍ، ظل المعلم صامتًا ولم يقل شيئًا. عند حلول الظلام، وصلوا إلى المدرسة في الجانب الآخر من الجبل، طرح المعلم سؤالًا على الطلاب وطلب منهم أن يخبروه عن الذكرى الأكثر تأثيرًا لهذه الرحلة التي استغرقت يومًا واحدًا، روى جميع أفراد المجموعة تقريبًا المضايقات الصباحية للشباب على جانب الطريق، وفي النهاية وصفوا هؤلاء الأشخاص على أنهم فظين وساذجين، حينها ابتسم المعلم، وقال: لقد حملتم بالإجماع موقف هؤلاء الشباب معكم منذ الصباح، وطوال الطريق كنتم تصارعون فكرة لماذا لم تقوموا برد الفعل المناسب في تلك اللحظة؟ لقد أشرتم جميعًا إلى هؤلاء الشباب على أنهم ساذجون وفظون، لكنكم لم تكونوا على دراية بهذه النقطة الأساسية، ألا وهي أن هؤلاء السذج وعديمي القيمة قد أضاعوا يومكم كله واحتلوا حيزًا كبيرًا من أفكاركم وخيالكم، فإذا كانت الدابة التي تحمل أمتعتنا ترافقنا في الطريق بحبل مربوط حول عنقها، فإن هؤلاء الشباب فعلوا ذلك معكم بحبل غير مرئي غزلتموه بأيديكم طوال الطريق، وعرقلت خطاكم ذكرى الصباح حتى أعدتم كل جملة عدة مرات، وكررتم تلك المشاهد في أذهانكم بوتر غير مرئي، لكنه كان وما يزال موجودًا، لقد كنتم منغمسين جدًا في هذه اللعبة إلى درجة أنكم نسيتم الهدف الرئيس من هذه الرحلة التعليمية، أستطيع أن أجزم بأن هؤلاء الشبان كانوا أقوى منكم؛ لأنهم وضعوكم جميعًا تحت سيطرتهم بلفتة بسيطة، وطالما أنكم أشغلتم عقلكم بهذا العبء، فلا يمكنكم أبدًا التمتع بنور الحكمة! تعلموا التخلي عن كل الأحداث الجيدة والسيئة في الحياة في وقته الخاص، ثم أسرعوا برميها في سلة النسيان، أما إذا فعلتم خلاف ذلك، فمع مرور الوقت ستزداد كمية الذكريات التي تحملونها معكم إلى درجة أنكم ستتحملون عبئًا ثقيلًا، مثلما أنكم ستفقدون الاستمتاع بمشاهدة العالم من حولكم، وما فيه من فرص السعادة.