الاستغاثة المتحققة

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 102

لم تكن المسافة بيني وبين عنصر من عناصر داعش سوى عدة أمتار، وأنا أغط بدمائي من جراء قصف مكثف أدى إلى قطع جزء من يدي وقدمي اليمنى، كنت أسبح في بركة من الدماء القانية، وأكاد ألفظ آخر أنفاسي، وعلى الرغم من هول المصاب، إلا أني أسلمت نفسي لرب العالمين، وبينما اقتربت خطوات عصابة الإجرام نحوي، طرق سمعي صوت إطلاق نار كثيف من الناحية الأخرى، فتراجع أوغاد داعش واحتموا خلف الساتر الترابي، كان الدم يجري بلا انقطاع يسقي الأرض الصلدة، شممت رائحة الدم وهو يتجمد على ثيابي، فشعرت بالدوار، وقبل أن أفقد الوعي أحسست بأن أيدي كثيرة تتلقفني، وأصوات نحيب كثيرة عند رأسي، لم أع هل كانت تلك الأيدي لعصابة المرتزقة، أم أنها أيدي النخوة المقدسة التي جاءت لنجدتي؟ وبين هذا وذاك ظلت شفتاي تلهج بطلب الاستغاثة. كان الكيس الذي وضعت فيه ضيقًا، ولم تسعفني قوتي للتحرك والتمدد فيه، كنت متكورًا في جانب صغير منه، لا أستطيع الصراخ أو حتى التلويح بيدي، وصوت اللغط يصلني من ابن عمي وهو يقول: - لقد قضى محمد نحبه شهيدًا، مضرجًا بدمائه. والآخر يقول: ـ لقد سمعته في آخر أنفاسه يردد استغاثة عجيبة! رد ابن عمي: ـ ستتلقاه الملائكة بروْح وريحان إن شاء الله تعالى. تململت قليلًا داخل الكيس، واستجمعت كل قواي كي أقوم بحركةٍ ما، لكن محاولتي باءت بالفشل، حيث تم حملي إلى داخل السيارة ملتحقًا بباقي الجثث كي نزف إلى أهالينا شهداء المبدأ والعقيدة. كان الطريق طويلًا، والمركبة تسير بسرعة خاطفة، ترفرف فوقها أعلام الوطن، وأنا في جوفها يعتصرني الكيس إلى حد الاختناق، وفجأه توقفت المركبة واقتربت الأصوات مني، وفي اللحظة التي استجمعت بها طاقتي لإصدار حركةٍ أو صوتٍ ما، أغلقت الباب فجأة بعنف، فقد جاء الأمر بالتحرك السريع لأن المكان غير آمن ولا يخلو من الدواعش. انطلقت السيارة من جديد، ورحت أصبر نفسي وأتحين الفرصة القادمة، فغططت في نوم عميق، وفجأةً، شعرت أن هناك من يسحب الجثث بالقرب مني، مددت يدي السليمة، وأقسمت على ربي أن ينجيني. هممت برفع يدي في اللحظة التي اقترب مني ابن عمي متكفلًا بنقل جنازتي، فحركت يدي، فاخشوشب ابن عمي في مكانه مصدومًا مندهشًا، إلا أنه استطاع بأقل من الثانية أن يحافظ على رباطة جأشه ويفتح الكيس بالكامل، وصوب نظره نحوي وأنا متأرجح بين الحياة والموت، ثم صرخ: إنه حي!! اجتمع الجنود من حولي، وسرعان ما تم نقلي إلى غرفة الطبيب حيث تلقيت صعقات الكهرباء الستة، حينها فتحت عيني بعد ذلك الصراع المرير وما تزال شفتاي تردد استغاثتها المعهودة: يا أبا الحسن، يا علي بجاهك عند الله تعالى أدركني.