رياض الزهراء العدد 90 منكم وإليكم
المُحْسِنُ وَالمُسِيءُ في مِيزانِ التَّعامُل
لا يخفى أنّ مبدأ الإحسان والإساءة هو مبدأ عقلائي في التفاضل قبل أن يكون مبدءاً دينياً، وقد أقرّه الشارع المقدس في أكثر من مورد من القرآن الكريم، ومنها الآيات المباركة: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ)/ (المائدة:100)، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)/ (الزمر:9)، (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)/ (الرعد:16) بل إن الإحسان والإساءة من أهم الأسس التي يُقيَّم بها الإنسان في الآخرة، فيكون الجزاء الثواب أو العقاب مستنداً إلى جنس العمل الذي قدّمه الفرد في الحياة الدنيا.. (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)/ (القلم:35،36)، (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)/ (الحشر:20). ولهذا المبدأ تطبيق واسع في شتّى ميادين الحياة بَدءاً من أصغر نواة في المجتمع وهي الأسرة إلى أكبر مؤسسة من المؤسسات على مختلف تخصصاتها ومَهامها وتوجهاتها.. فعلى صعيد الأسرة يمكن للوالدين أن يخلقا جواً تربويّاً تنافسيّاً بين أبنائهما، فمَن أدى من الأبناء ما عليه من الالتزامات المختلفة كالدينيّة والاجتماعيّة والسلوكيّة كان من اللازم إكرامه وتشجيعه، فيقتدي به إخوته الآخرون، ومَن تخلّف من الأبناء عن تلك الالتزامات كان من الواجب توجيهه بمختلف الأساليب، وربّما اللجوء إلى معاقبته بأسلوب تربوي؛ ليتجنب أخطاءه في المستقبل، أمّا لو كانت هناك مساواة في التعامل سيرى الملتزم أن لا فائدة من التزامه، كما أنّ ذلك سيشجع المسيء على التمادي في السوء و(مَن أمن العقاب، أساء الأدب) ولو عرجنا إلى المدرسة سنجد مبدأ الثواب والعقاب في أوضح مصاديقه، فالطالب الملتزم أخلاقيّاً وعلميّاً والمواظب على أداء الوجبات الملقاة على عاتقه يستحق أن ينال أعلى درجات الاستحقاق، أمّا الطالب المقصّر فلابدّ من أن يعاقب على قدر تقصيره؛ لكي يشعر بأهميّة الدرجة ومسؤوليتها، أمّا لو تمّت معاملة الصنفين من دون تمييز كإعطاء الطلاب الضعفاء، درجات إضافية من دون وجه استحقاق سيؤدي ذلك بطريقة وأخرى إلى إهمال الطلاب الجيدين لدراستهم ليحصلوا على الدرجات كما فعل الطلبة الضعفاء وفي الوقت ذاته لن يتأثر الطلاب البائسون بل سيتمادون في تلكئهم الدراسي، ولا يمكن إصلاحهم لعدم توفر حافز المنافسة لديهم، وفي كلتا الحالتين هي خسارة فادحة.. وما أجملها من وصية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) إذ يقول: “..وَلاَ يَكُونَنَّ اَلْمُحْسِنُ وَاَلْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ اَلْإِحْسَانِ فِي اَلْإِحْسَانِ وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ اَلْإِسَاءَةِ عَلَى اَلْإِسَاءَةِ وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ..”.(1) ..................................... (1) إتمام نهج البلاغة : ص770.