أوَ يُؤذِي مُحِبٌٌّ حَبِيبَهُ؟!
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)/ (آل عمران:164). إنّ أعظم منّة أنعمها الله (عزّ وجل) على بني البشر هي الوجود المقدّس لرسول الله محمد عليه أفضل الصلوات، الواصل إلى أعلى مقامات القرب الإلهي. لكنْ هذا النبي الكريم على الرغم من كونه المرسل رحمةً للعالمين والمبعوث لإخراج البشر من الظلمات إلى النور وليفتح لهم الأبواب إلى ملكوت السماوات والأرض تعرّض منهم لشتّى أنواع الأذى، كما ورد عن لسانه المبارك: “ما أُوذي نبيّ مثل ما أوذيت”(1)، أذّيته عليه أفضل الصلوات هي أذية الله تعالى، كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله): “..مَن آذاني فقد آذى الله”.(2) وقد خاطب الله (عزّ وجل) مَن يؤذي الرسول بقوله:( ..وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ..)/ (الأحزاب:53) وتوعّدهم بالعذاب المهين، حيث قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)/ (الأحزاب:57). وكم يؤلم قلوبنا نحن المحبّين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أيّ أذى يصيبه، وننكر على مَن آذوه فعالهم.. ونتمنى أن نزيل الألم والجوى عن قلبه المبارك، وندفع عنه كلّ أذى. لكن هل من الممكن أن نكون نحن الذين نحبّه سبباً في أذيته وإيلامه من حيث لا ندري ولا نريد؟ فنكون من الذين يوجّهون المزيد من الأذى إلى قلبه المبارك! ولربّما الأذى الأكبر، إذ الأذى من المقرّبين يكون أشدّ وأعظم! بعضنا قد يُذنب، فيغتاب أخاه أو يترك فريضةً أو يؤذي مؤمناً أو ينكث عهداً أو يفتري كذباً.. وبعضنا قد يكون سيئ الخلق، فيتكبّر على عباد الله (عزّ وجل) أو يعامل زوجه بسوء أو يحسد أخاً له.. ومنّا من يهمل صلاته فلا يؤديها بحضور قلب أو يؤخرها عن أول وقتها.. وممّا لا شكّ فيه أنّ القلب الرؤوف والشديد الحرص على أمّته لحضرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) - بل لجميع ذريّته المباركة -، يبلغه الأذى الشديد عند صدور واحدة ممّا ذكرنا منّا نحن الذين نعدّ أهل مودّته. وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، هما أبوا هذه الأمة، إذ يقول النبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله): “أنا وعلي أَبوا هذه الأُمة”.(3) فهما الأبوان الحقيقيّان لكلّ منّا، ومن ثمّ فإن أيّ ذنب نرتكبه علاوةً على كونه يؤذي قلبيهما المباركين، يعدّ عقوقاً لهما. بل إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ضحّى بذريته من أجل هدايتنا، فكُسر ضلع ابنته وحبيبته السيّدة فاطمة (عليها السلام)وسُمّ حفيده الإمام الحسن، وجرى ما جرى في كربلاء من التنكيل والقتل لسيد الشهداء ولعترته، وسُبيت النساء ومنهم السيّدة زينب (عليها السلام)ورُوّعت الأطفال.. وهنا نسأل: هل يمكن لمحبّ لنبيّه الأعظم مقابل هذه التضحيات أن يبادله بالعقوق والأذى؟! .............................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص102. (2) علل الشرائع: ج1، ص186. (3) مستدرك سفينة البحار: ج10، ص445.