مُؤَسِّسُ المَدرَسَةِ الجَعْفَرِيَّة
برز الإمام الصادق (عليه السلام) من بين إخوته خليفة أبيه ووصيّه، وكان أنبههم ذكراً وأعظمهم قدراً، منبع العلوم الإلهي ومعدن السخاء والحلم والصبر، وكان يمتلك علماً عظيماً، وهناك أدلة كثيرة على عظمة الإمام العلمية، فالعلماء الكبار يتواضعون أمام عظمته العلمية، ويمدحون تفوقه العلمي، وكانوا يرونه علماً زاخراً، وإماماً لا ينازعه أحد في العلم والمعرفة، وأستاذاً فذاً في جميع العلوم. فأبو حنيفة كان يقول: (ما رأيت أحداً أفقه من جعفر)(1)، وقال مالك بن أنس: (ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً).(2) كما أنه نظراً لتوفر الفرصة السياسية المناسبة وحاجة المجتمع الماسّة واستعداد الأرضية الاجتماعية واصل الإمام الصادق (عليه السلام) جهوده في النهضة العلمية والثقافية التي ابتدأها أبوه الإمام الباقر (عليه السلام)، وأسس مدرسة وجامعه علمية كبيرة، علّم وربّى فيها تلامذة كباراً وبارزين، حيث كان يشجع ويرغب تلاميذه في العلم الذي يتناسب مع ذوقهم وطبيعتهم، وكان الطلاب يأتون من أقطار مختلفة، من الكوفة والبصرة والحجاز وغيرها، ومن مختلف القبائل، ومن أشهر تلامذته: هشام بن الحكم، محمد بن سالم، وجابر بن حيان، والمفضل بن عمر وغيرهم، وقد ناهز عدد تلامذته أربعة آلاف طالب، كما أن للإمام الصادق (عليه السلام) مناظرات ومطارحات كثيرة ومثيرة مع أصحاب المذاهب والفرق المختلفة، كالمعتزلة، والمرجئة، والغلاة، وغيرهم؛ وذلك لتعريف الإسلام والرؤية الشيعية، وهي كثيرة يطول ذكرها. ومن أقواله (عليه السلام): “ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام”(3)، كناية على أهمية الفقه وضرورة تعلّمه. وقال أيضاً (عليه السلام): “إني لأملق أحياناً، فأتاجر الله بالصدقة”.(4) ............................... (1) شرح إحقاق الحق: ج28، ص442. (2) مناقب آل أبي طالب: ج3، ص372. (3) ميزان الحكمة: ج3، ص437. (4) ميزان الحكمة: ج5، ص208.