إِيمَانُ عَبدِ المُطَّلِب
هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهو جدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لم يعبد صنماً قطّ، ولم يقرب المقامرة بالأزلام، ولم يأكل لحم ذبيحة قُدّمت لصنم، وكان يقول: إني على دين أبي إبراهيم مقيم. أجمع علماء الأمامية أن عبد المطلب وجميع آباء النبي وأجداده كانوا مسلمين، وكانوا أنبياء وأوصياء لإبراهيم (عليه السلام)، فإيمان عبد المطلب نلمسه من كلامه ودعائه عند هجوم أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، إذ لم يلتجئ إلى الأصنام، بل توكل على الله (عزّ وجل) لحماية الكعبة.(1) وكان عارفاً بشأن النبي (صلى الله عليه وآله) ومستقبله المرتبط بالسماء، وتجلت اهتماماته به في الاستسقاء بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو رضيع؛ لأنه يعلم مكانته عند الله (سبحانه وتعالى)، وقد زاد حفر زمزم من علو شأن عبد المطلب، وتقاطرت عليه الألقاب من قبيل: سيّد البطحاء، وساقي الحجيج، وحافر زمزم. وكان الناس عند وقوع المصاعب يلوذون بكنفه وإذا حلّت داهية أو عمّ القحط توسلوا بنور جماله حتى يرفع الحق تعالى الشدائد عنهم.(2) فكان سيد قومه في مكة، وكانت إليه السقاية والرفادة، وكان ينشد: أعطي بلا شح ولا مشاحح سقياً على رغم العدو الكاشح فلو رأينا بوضوح الفرق الشاسع بين قوى الإيمان والخير وقوى الانحراف والضلال كانت هذه السلالة الطيبة وظيفتها سقي الناس الماء العذب، فهذه المدرسة الهاشمية العلوية تنشد بالعطاء في رضا الله تعالى، تبغي طاعته ورضوانه، فهم يسقون الماء ويطعمون الطعام، نقيض مدرسة الباطل تماماً فهم يقتلون أولادهم عطاشى، كما قتلوا الحسين وأهل بيته وصحبه (عليهم السلام) عطاشى في واقعة كربلاء، فللباطل جولة تجول حتى يظهر الحق، وللحق دولة عند ظهور قائم آل محمد (عجّل الله تعالى فرجه الشريف). يُروى أنّ عبد المطلب قد سنّ في الجاهلية خمس سنن، أجراها الحقّ تعالى في الإسلام: الأولى: حرمة نساء الآباء عن الأبناء، قال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)/ (النساء:22). الثانية: الحصول على الغنائم وإنفاق خمسها في سبيل الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)/ (الأنفال:41). الثالثة: لما حُفرت بئر زمزم اتخذ طريقة سقاية الحاج قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ)/ (التوبة:19). الرابعة: تقديره أن دية المقتول مائة من الإبل، وقد أجرى الإسلام هذا الحكم. الخامسة: إنه قدّر الطواف سبعة أشواط، وأجرى الإسلام هذه السنة، على الرغم من أنّ الطواف كان عند قريش من غير تحديد.(3) التحق عبد المطلب رضوان الله عليه بالرفيق الأعلى ولم يمضِ من عمر النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر من ثماني سنوات، وقد حزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حزناً شديداً لموت جدّه واتبع نعشه إلى منفذه الأخير. ........................... (1) أعلام الهداية: ج1، ص52. (2) منتهى الآمال: ج1، ص20. (3) منتهى الآمال: ج1، ص70.