الدُّعَاءُ عِندَ قَبرِ النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله)

رجاء علي مهدي
عدد المشاهدات : 472

من المسائل المهمة التي وقع فيها النزاع والاختلاف والجدل بين المسلمين هي مسألة الاستعانة بغير الله تعالى عموماً وبرسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(عليهم السلام)خصوصاً، ولقد جعلها بعضهم من مسائل توحيد العبادة ومصاديقه وحكموا على مَن فعل ذلك الوقوع في الشرك الأكبر، فأهميّة بحث هذه المسألة تأتي من هذه النقطة، فهل يصحّ إنكار الاستعانة والاستغاثة بغير الله(عز وجل) مطلقاً؟ وهل هناك فرق بين الحيّ والميّت كما يفرّق بعضهم بينهما؟ قبل الخوض في أدلة الطرفين لابدّ أولاً من أن نعرف معنى العبادة التي تؤدي إلى التوحيد الذي هو بعكس الشرك. إنّ العبادة عند اللغويين الطاعة مع الخضوع، وقال بعضهم: أقصى غاية الخشوع والخضوع لأحد من الناس من أصحاب المناصب وأولي الفضل من الناس. وإنّ هناك آيات ذكرها الله(عز وجل) في القرآن الكريم تحمل معنى نهاية التذلّل والخضوع، ولم يعدّها القرآن الكريم عبادة لغير الله(عز وجل) كسجود الملائكة لآدم(عليه السلام) وسجود إخوة يوسف ليوسف(عليه السلام) ، بل إن العبادة حقيقة، وهذا ما عرّفه علماء الشيعة فهي خضوع عملي أو لفظي نابع من عقيدة الإنسان بأُلوهية المخضوع له، ومن ثمّ فإن التوسل والتشفّع بغير الله(عز وجل) لا يكون شركاً ما دام خالياً من هذا الاعتقاد، فلا يوجد متوسّل ومتشفّع يعتقد بأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو أحداً من أهل بيته(عليهم السلام)إله من دون الله(عز وجل)، بل إننا نعتقد أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) عبدٌ خالصٌ بالعبوديّة لله تعالى بشهادة القرآن الكريم، وبهذه المرتبة التي بلغها كانت له هذه الشفاعة وهذه المنزلة، فميّز القرآن الكريم نبيّ الرحمة بهذه المقامات، أي أمر المسلمين بأنهم (إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)/ (النساء:64)، بل إن كثيراً من الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه نعت بها نبيّه، كصفة الغنى الخاصة به تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)/ (فاطر:15) ويثبّتها للنبيّ(صلى الله عليه وآله) حيث قال: (..وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ..)/ (التوبة:74)، وصفة الرحمة والرأفة اختص بها الله تعالى الرحمن الرحيم، وصف بها نبيّه الكريم حيث قال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)/ (الأنبياء:107). والحقيقة أن الحديث يطول في سرد الأدلّة التي تثبت مقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقربه من الله(عز وجل)، وجعله واسطة لوصول الفيض الإلهي إلينا، فطلب منّا أن نبتغي إليه الوسيلة، أمّا احتجاجهم بأن هذه المقامات ثابتة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) في حياته لا بعد مماته، فجوابهم أنّ التفريق بين حياته(صلى الله عليه وآله) ومماته مردود؛ لعدم وجود دليل صريح يدلّ على هذا التفريق لا في الكتاب ولا في السنّة. ولا يوجد دليل على خصوصية الحيّ في ذلك أيضاً، وأنّ الحديث الذي رواه الطبراني وصحّحه، والذي فيه أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) علّم الأعمى أن يتوسّل به إلى الله(عز وجل)، فذهب فتوسل به في حال غيبته - أي غيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله) - وعاد إلى مجلس النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد أبصر وكان مما علّمه رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يقول: “اللهم إني أسألك بأنك ملك وأنك على كلّ شيء قدير مقتدر وبأنك ما تشاء من أمر يكون، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة(صلى الله عليه وآله) يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي، اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد”(1) ويُسمّي حاجته لتُقضى. هذا الأعمى لم يكن حاضراً في المجلس حين توسل برسول الله(صلى الله عليه وآله) بدليل أنّ راوي الحديث عثمان بن حنيف قال لمّا روى حديث الأعمى: (فو الله ما تفرّقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر). فمن قوله: (حتى دخل علينا) علمنا أن هذا الرجل لم يكن حاضراً في المجلس حين توسل برسول الله(صلى الله عليه وآله) وتوسل الشيعة برسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)ليس ببعيد عن هذا المعنى، بل هو قمّة الطاعة والعبادة وأقصى غاية التوحيد لله والتسليم له، حيث أمرنا الله تعالى بأن نأخذ ما آتانا الرسول(صلى الله عليه وآله) وننتهي عمّا نهانا عنه، وأمرنا(صلى الله عليه وآله) بالتوسل به إلى الله(عز وجل) ولم ينهَنا عن ذلك. ............................. (1) الكافي: ج3، ص574.