العَائِلَةُ المِثَالِيَّة_ “رحم الله من أحيا أمرنا”

ليلى إبراهيم رمضان
عدد المشاهدات : 266

الإمام الحسين(عليه السلام) هو سرّ التشيّع وهو سرّ بقاء الإسلام وباسمه تُقام الألوف بل الملايين من المجالس والمحافل والاجتماعات والمحاضرات الدينيّة في شرق الأرض وغربها، وتؤسّس المؤسّسات والمراكز الثقافيّة والخيريّة والتوجيهيّة كلّها تعبّر عن الحبّ العميق للإمام الحسين(عليه السلام) والإيمان بقضيته، وفي الزيارة الأربعينية يشعر الناس في أعماق نفوسهم باندفاع قويّ نحو الإمام الحسين(عليه السلام) وبالذات شعائره فتراهم يبذلون أموالهم وأملاكهم في سبيل الإمام الحسين(عليه السلام) رغبة لنيل البركات والآثار الدنيويّة والأخرويّة التي يتفضل بها الله تعالى على زائريّ قبر الإمام الحسين(عليه السلام) من غفران الذنوب وسعة الرزق وطول العمر ودعاء الملائكة وشفاء المرضى وغيرها من البركات التي وردت في الأحاديث الشريفة. عائلة أبو رعد هي العائلة المثالية لهذا العدد حيث تتكون من تسعة أفراد حالتهم المادية ضعيفة إذ يسكنون بيت إيجار والأب يعمل فلاحاً في بستان صغير يقع على طريق المشاية وهو ملك لشخص آخر، يعتبرون مكان سكناهم نعمة كبيرة مَنَّ الله تعالى عليهم بها إذ يستطيعون من خلالها خدمة الزوّار بقدر ما يستطيعون ويقدّمون خدماتهم للزوار من جهد عضلي بأن يخدموا في المواكب المجاورة لهم. وعن هذا الأمر قال الوالد: كلّ كلمات الحب الصادق والولاء والإجلال والتعظيم تعبر عن التفاعل الحقيقي مع قضيّة الإمام الحسين(عليه السلام) التي تمثل العقيدة الإسلاميّة العظيمة التي قدّم من أجلها ما قدّم من الأصحاب والأولاد والأخوة والأهل حتى طفله الرضيع بل قدّم نفسه الطاهرة الزكيّة التي هي نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله) فداء وقرباناً، وقع على الأرض فطهرّها وكرّمها فصارت لكلّ المؤمنين بلسماً ودواءً ومسجداً فماذا نفعل كي نوفي الإمام(عليه السلام) حقه؟ لا يمكن أن نقدّم شيئاً يوازي ذلك أبداً مهما نبذل في سبيلهم ولا نملك سوى حبّنا لهم.. قال هذا الكلام ودموعه تنهمر على وجهه. أمّا زوجته فقالت: أنا اخبز الطحين الذي يحضره زوجي من المواكب بكميات كبيرة أنا وبناتي وزوجي والأولاد نخدم في المواكب، ابني يوصل الزوار (بالستوتة) مجاناً عند انقطاع الطرق، نعلّم أبناءنا أحاديث أهل البيت(عليهم السلام)ومنها حديث الإمام الصادق(عليه السلام) : “رحم الله من أحيا أمرنا”(1). إن خدمة زائري الإمام الحسين(عليه السلام) إحياء لأمر أهل البيت(عليهم السلام)وخدمة لمحبيهم ليتعلّم الأبناء أن عليهم أن يتداولوا هذه الخدمة ويداوموا عليها لتنهل الأجيال القادمة من الدروس والعبر في إحياء النفس الإنسانية. قالت جارتهم: هذه العائلة على الرغم من حالتهم المادية الضعيفة جداً إلا أننا نذهل من تعلقهم بالإمام الحسين(عليه السلام) وشدة ولعهم بخدمة زائري الإمام(عليه السلام) وشدة حرصهم على تقديم كافة الخدمات لهم وكأنهم في سباق دائم فحب آل البيت(عليه السلام) يجري في عروقهم ويدفعهم لهذا بشكل يميّزهم كثيراً عن غيرهم حتى في بعض الأحيان يؤثرون الطعام على أنفسهم وأولادهم ويقدّمون للزائر ما لديهم، وخدماتهم هذه طوال السنة في المواليد والوفيات وطول شهر محرم وصفر. منزلة الشيعة ومحبي أهل البيت(عليهم السلام)عند الرسول(صلى الله عليه وآله) والإمام علي(عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) تظهر عن طريق هذا الحديث: عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: “خرجت أنا وأبي حتّى إذا كنّا بين القبر والمنبر إذا هو بأناس من الشيعة”، فسلم عليهم ثمَّ قال: “إنّي والله لأحب رياحكم وأرواحكم، فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد، واعلموا أنَّ ولايتنا لا تنال إلّا بالورع والاجتهاد، من ائتمّ منكم بعبد فليعمل بعمله، أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله وأنتم السابقون الأوَّلون والسابقون الآخرون والسابقون في الدنيا إلى محبّتنا، والسابقون في الآخرة إلى الجنّة، قد ضمنّا لكم الجنّة بضمان الله(عز وجل) وضمان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والله ما على درجة الجنّة أكثر أرواحاً منكم فتنافسوا في فضائل الدرجات، أنتم الطيّبون ونساؤكم الطيّبات”.(2) وعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: “..رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله المؤمنون فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة”.(3) فهنيئاً لكم يا شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ويا محبيّ الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) من زوارهم وخدمتهم وخدام مواكبهم ومعزّيهم (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)/ (الحج: 32). قال الإمام الباقر(عليه السلام) : “لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين(عليه السلام) من الفضل، لماتوا شوقاً وتقطّعت أنفسهم عليه حسرات”.(4) ...................................... (1) الأمالي للطوسي: ج1، ص149. (2) مستدرك سفينة البحار: ج6، ص115. (3) عقاب الأعمال: ص26. (4) مستدرك الوسائل: ج10، ص309.