صُوَرٌ مِن الحَيَاةِ

آمال كاظم عبد
عدد المشاهدات : 155

(قتل، تشريد، ضياع، خوف، إرهاب، موت، جوع، عطش، وأحزان) مزايا عاشوراء التي عادت من جديد في أكثر من مدينة في العراق، ومن المفارقات إن كلّ مَن تعرض لهذه المآسي هم من محبي أهل البيت (عليهم السلام)، وكأنهم ورثوا البلايا ليرتفع قدرهم عند الله(عز وجل). كارثة إنسانية خرجوا من بلدتهم مرغمين بعد أن دخلها تتار العصر وعاثوا فيها فساداً فهدموا البيوت واحرقوا الأشجار والزرع وقتلوا من وقعت أعينهم عليه. وبينما هم يحثون الخطى لئلّا تلاحقهم هذه العصابات وقعت الأم ولم تستطع أن تكمل المسير فامسكن بها بناتها وحاولن أن يحملنها ولكنهن لم يستطعن فقد أخذ التعب منهن كلّ مأخذ، فحملها ابنها على ظهره، وعيونه تحوط أخواته خوفا عليهن. عاودوا المسير ولكن بخطوات أبطأَها الإعياءُ والجوعُ والعطش، إلى أن توقفوا تماما واستقر بهم المطاف في أرض جرداء تجمع فيها عدد من سكان البلدة المنكوبة. سقطت الأم مغشياً عليها من أثر الجوع والعطش إذ استمر مسيرهم ليومين كاملين بلا قوت، وقبلها تساقط الأطفال والضعفاء من كبار السن والنساء وأضحت الأرض الجرداء مفروشة بالأجساد المتعبة التي تحتضر من الجوع والعطش والتعب والخوف، تنتظر أن يزورها الموت لينهي فصول ماساتها المريرة ويتوجها كأفظع كارثة إنسانية في عصرنا. طفلة مفقودة أفاقت العائلة على أصوات الطلقات والصرخات المرعبة وأصوات تكسير زجاج النوافذ والأبواب وكان المنظر في الخارج مرعبا حيث جموع الناس تركض إلى خارج البلدة، وملثمون يطلقون الرصاص عشوائيا، فقام الرجل بإخراج عائلته، وفي هذه الأثناء التقى بجاره الذي كان يقوم بإجلاء عائلته أيضاً في سيارته الخاصة فطلب منه نقل زوجته وبناته معه في السيارة على أن يلتقوا في مكان محدد، وذهبوا كلّا في طريق، وفي ذلك المكان التقت العائلة من جديد ودموع المأساة كانت شاهدا على أحزان ابتدأت ومصير مجهول رسم في الأفق لوحة خطت بالدم شابهت طف كربلاء. تفقد الأب أولاده وبناته وسأل عن ابنته ذات الخمس سنوات التي لم يرها، فاستغربت الأم سؤاله وقالت له: إني اعتقدت أنها معك ففي تلك الأجواء وبسبب الإرباك والرعب الذي وقعنا فيه لم انتبه إليها فتوقعت أنها معك. صعق الوالدان اللذان لم يعرفا ما سيفعلان خصوصاً وإنهم قطعوا مسافة 50 كيلو متر عن بلدتهم التي أصبحت ركاما والتي أبادها أوباش العصر الذين لم يبقوا لهم باقية.