رِحلَةٌ إلى مَشْهَد
في منزل تملؤه السكينة والاطمئنان ترفع ريحانة البالغة من العمر عشر سنوات رأسها المُلقى في حجر أمها وتخاطبها بصوتها المنخفض: - لم تخبريني يا أمي لمَ نحن ذاهبون إلى زيارة الإمام الرضا(عليه السلام) ؟ - لأسباب كثيرة يا صغيرتي.. لكنني الآن سأخبرك بأحدها. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): “ستدفن بضعةٌ مني بأرض خراسان، لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله(عز وجل) له الجنة، وحرّم جسده على النار”. تتلقّف ريحانة كلمات والدتها بصمت، ثمّ تعيد رأسها إلى حجرها من جديد وهي تفكّر في كلماتها. وبعد عدّة أيام تقلع الطائرة بريحانة وعائلتها متوجّهةً إلى أرض مشهد المقدّسة. تهبط الطائرة الكبيرة أرض المطار ليلاً، وبعد إنهاء المعاملات اللازمة تستقلّ العائلة سيارة أجرة.. وفي أثناء الطريق تلوح القبّة المباركة ببهائها من البعيد وفجأةً يقطع صراخ ريحانة صمت والدتها: - أمي أمي.. ما هذه الأنوار المشعّة التي تتلألأ هناك؟ - إنها قبة الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا(عليه السلام) الذي قطعنا المسافات لزيارته. تقترب السيارة أكثر فأكثر فتزداد معالم المكان وضوحاً. تكمل ريحانة حديثها مع والدتها قائلة: - ما أجمل هذا المكان!! لكن يا أمي لم كلّ هذا الازدحام؟؟ تعلو وجه والدتها ابتسامة لطالما ارتسمت على وجهها الرقيق وتجيبها: - هل تعلمين يا ريحانة أن الملائكة أيضاً تزدحم بين السماء والأرض في هذه البقعة المباركة؟ - حقاً يا أمي! - نعم يا وردتي الجميلة.. تقلّب ريحانة ناظريها في السماء وتصمت للحظات.. لكنها سرعان ما تبادر والدتها: - لكن لم كلّ ذلك يا أمي؟ - لأنه إمامٌ معصوم. - أسمع بكلمة الأئمة كثيراً يا أمي.. لكنني لا أدرك معناها!! - الأئمة يا ابنتي هم سفراء الله(عز وجل) إلى خلقه.. يختارهم الله(عز وجل) وينصّبهم قادةً للأمم ودعاةً إليه لأنهم أطهر الخلق وأعلمهم وأتقاهم وأحلمهم وأشدّهم بذلاً في سبيله تعالى. تصمت لثوان وهي تنظر إلى الأفق البعيد.. ثم تكمل كلامها: - والله(عز وجل) قد جعل محبّتهم محبته. ألا تذكرين ما نقوله عندما نقرأ الزيارة الجامعة سوياً: من أحبكم فقد أحب الله(عز وجل)؟ تجيبها ريحانة: - نعم يا أمي.. أذكر تضمّ الأم طفلتها إلى صدرها بدفء ثم تكمل قائلة وهي تطبع قبلةً حارة على وجنتيها: - وجعل أيضاً أضرحتهم وبيوتهم بيوتاً له(عز وجل). تظهر علامات الإعجاب على وجه ريحانة: - يا الله.. تتنهّد ريحانة وتأخذ نفساً عميقاً ثم تقول بشوق: - هيا يا أمي.. هيا بنا ندخل. تمسك ريحانة بيديّ والدتها وتتقدّمان معاً إلى باب الحرم المطهّر.. وبقلب خاشع تقف أمام الباب وعيناها تسطعان فرحاً - كيف لا وهي تقف بباب من أبواب الله(عز وجل) - وتردّد مع أمها: “اللهم إني وقفت بباب من أبوابك..”.