حِلْمُهُ(عليه السلام) حَتَّى بَعدَ مَمَاتِهِ

وفاء عمر المسعودي
عدد المشاهدات : 421

عجباً لفئة باغية محسوبة على الإسلام تدعي أنها من أمة محمد(صلى الله عليه وآله) ثم تبادر بكلّ ما أوتيت من قوة إلى ظلم آله وسبطه؟ لقد لاقى الإمام الحسن(عليه السلام) ظلماً وجوراً من أمة جده المصطفى(صلى الله عليه وآله) في حياته وبعد مماته, فلم تكتفِ هذه الفئة الباغية من بني أمية بإرسال السم إليه عن طريق زوجته اللعينة جعدة بنت الأشعث بل حاربته هذه الفئة في اختيار مكان دفنه وكانت وصيته(عليه السلام) أن يدفن بجنب جده المصطفى(صلى الله عليه وآله) فهو أولى الناس به, فخرج الحزب الأموي يتقدّمهم مروان بن الحكم وتساندهم في ذلك إحدى زوجات النبي(صلى الله عليه وآله) وهي تركب على بغلة شهباء وتنادي: “لا تدخلوا في بيتي من لا أحب؟! إن دفن الحسن في بيتي لتجز هذه وأومأت إلى ناصيتها”.(1) والسؤال كيف أصبح بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيتها وحدها ولها حق التصرف فيه؟! ألم تزعم هذه المرأة وأبوها أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: “إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً”(2)، فهل كان هذا الحديث مخصوصاً لكي تحرم فاطمة بضعة الرسول(صلى الله عليه وآله) من إرثها في فدك وغيره, ومن المعروف أن للنبي(صلى الله عليه وآله) تسع زوجات فكيف تملكت هي البيت وحدها, وصدق من قال: لك التسع من الثمن وبالكل تملكت ولا يخفى أن الزوجة لا ترث من زوجها شيئاً في الأرض بل ترث من العمارات, ولكن ما حجب بني هاشم من عدم دفن الحسن(عليه السلام) بجوار جده(صلى الله عليه وآله) هو الوصية التي أوصى بها الحسن(عليه السلام) فلقد كان(عليه السلام) حليماً في حقه حتى بعد مماته وأوصى بأن لا تراق قطرة دم في دفنه, وأليس من الغرابة أن زوجة الرسول(صلى الله عليه وآله) لا تحب ريحانته وسبطه؟ والغريب من ذلك أنها عرضت على عبد الرحمن بن عوف أن يدفن بالقرب من رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا وافته المنية كأن البيت بيتها وكأن عبد الرحمن بن عوف أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من ريحانته وسبطه؟ ولقد استاء المؤمنون من هذا الموقف المعارض لدفن الإمام الحسن(عليه السلام) بالقرب من جده وخاصة بني هاشم وأشهروا سيوفهم فنهاهم الإمام الحسين(عليه السلام) عن ذلك عملاً بوصية أخيه الحسن(عليه السلام) , ولفظاعة هذا الموقف من الحزب الأموي اهتزت مشاعر أبي هريرة الذي سجّل له التاريخ هذه الوقفة الكريمة والعجيبة من شخص عرف بولائه لملذاته ولكن تمادي الفئة الباغية في ظلمها حرك ساكن أبي هريرة وأخذ ينادي بأعلى صوته: أريتم لو مات ابن لموسى بن عمران أما كان يدفن مع أبيه؟ وأني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”.(3) ولكن لا جدوى فلا حياة لمن تنادي ودفن(عليه السلام) في البقيع وتم بناء قبره ولم يسلم الإمام الحسن(عليه السلام) من ظلم أعدائه حتى بعد مواراة جثمانه الطاهر واستكثروا أن تكون عليه قبة تليق ببعض الشيء به وبمكانته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) فهو الامتداد الطبيعي لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وسبطه, فراموا إلى تهديم قبره(عليه السلام) في السنة 1220هـ وبعد إعادة البناء مرة ثانية عن طريق تبرعات المؤمنين عمد أعداء آل محمد إلى هدم القبور مرة أخرى بعد تعريض القبر الشريف للاعتداء لجميع مكوناته وذلك في عام 1344هـ تصريحاً منهم بأنهم أبناء تلك الفئة الباغية وأن حقدهم قد ورثوه عن آبائهم الأمويين والله لا يهدي القوم الظالمين. .................................... (1) شرح ابن أبي الحديد في النهج: ج16، ص50. (2) موسوعة أهل البيت (عليهم السلام): ص492. (3) موسوعة أهل البيت (عليهم السلام): ص494.