رياض الزهراء العدد 89 أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)
عَلَى تِلَالِ الغَرْقَد
أرهفت وريثة الأحزان السمع جيداً، ليس هناك سوى همهمة خلف الباب الموصدة، وجد الوجل طريقه إلى قلبها فتسلل. طرقت الباب بكفٍ مرتجف ثم دخلت، استقبلها الإمام الحسين(عليه السلام) مضطرباً.. هالها ما رأت، حاولت جاهدة خنق شهقتها أو ابتلاع غصتها، حاول الإمام الحسين(عليه السلام) تهدئتها لكن دون جدوى فمنظر الطشت المشؤوم وهو يستعر لظىً كبد السبط المسموم أرعد فرائصها. كيف لا وهي ترى من رست الخليقة على أعتابه وهو يهم بالرحيل ناشراً أشرعة الوداع.. صورة رسمتها المنية على إيقاع الصمت الرهيب، فلا وقع لأقدامه الشريفة بعد أن صار إلى عالم الملكوت القدسي فقد باتت سكك المدينة تضج بالوحشة وافتقد الليل البهيم رفيقه المحمّل بعطاياه الخجولة وطرقات غابت عن أبواب بائسة تقبع خلفها أفواه فاغرة وأحداق ساهدة ترقب قدوم الزائر المجهول الذي تتفجر بمقدمه ينابيع العطاء والإيثار.. في مشهد أبكى المخالف والمؤالف في بيت الحسن(عليه السلام) هناك حيث الجسد المسجى تحيط به شموس الطف المنيرة فما بين الشمس والقمر والنجوم الهاشمية فارقت روحه الطاهرة الدنيا ورحلت إلى بارئها راضية مرضية. رحل الإمام المجتبى(عليه السلام) ولم ترحل كلماته الخالدة التي شع صداها عبر الأزمان والعصور لتبرز للأجيال عبر فرشاة البسالة ألوان كربلاء الساطعة وما سطرته من ملاحم وبطولات عجزت أعظم مجلدات التاريخ في تبيان حقيقتها الرسالية حيث ردد عبارته المشهورة مواسياً لأخيه الحسين(عليه السلام) لما برقت من عينيه دمعة لا تبكي يا أخي فلا يوم كيومك يا أبا عبد الله. كان مقرراً أن ينتهي الموقف الجنائزي المهيب عند قبر النبي الهادي(صلى الله عليه وآله) حيث نهاية الرحلة المؤلمة لريحانة المصطفى لكن..! العجب كلّ العجب فما بين وعيد مَن بارزت خالقها وصدحت بأعلى صوتها أن لا تدفنوا في بيتي من لا أحب.. وبين نصال من بخسوا أجر صاحب الرسالة، انفصمت دعامة الجود والكرم وعاد النعش الموشوم بأحقاد السهام القهقري على مضض ليجثم أخيراً فوق تلال الغرقد محتسباً، ليس هذا إلّا حقنا للدماء. أيا رحمة ربي الواسعة، يا إمامي يا أبا محمد الحسن المظلوم، يا ناصر دين الله، لنكظم الغيظ حتى ظهور المنتقم (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.