الشَّهِيدَةُ بِنتُ الهُدَى _ رَائِدَةُ الإِعلَامِ الإسْلَامِيّ النِّسوِيّ

د. بيان العريّض
عدد المشاهدات : 253

برزت إبّان الستينيات من القرن الماضي ظاهرة متفردة تمثلت بالخطاب الإعلامي الإسلامي النسوي من خلال ريادة الشهيدة آمنة باقر الصدر (بنت الهدى) لهذا الخطاب وتأسيسها له. وقد بلغت الشهيدة شتى أنواع التواصل الجماهيري من مقالات صحفية نُشرت في مجلتي الأضواء والإيمان النجفيتين الإسلاميتين، وكذلك قصصها الإسلامية الهادفة، وإحياؤها للمجالس الحسينية وتطويرها باتجاه إثارة الوعي الديني والثقافي والسياسي لدى المرأة المسلمة وتصديها لدورها التغييري الكبير إزاء الطروحات الإلحادية والتكفيرية. لقد كانت الشهيدة بنت الهدى حلقة الوصل ما بين المرجعية الدينية وجماهيرها، وتميّزت بالالتزام الديني والمثابرة لإظهار صورة الإسلام الناصعة حتى آخر يوم في حياتها. في خضم هذه السنوات التي كانت تمور بالفكر والفكر المضاد، ولدت رائدة الإعلام الإسلامي النسوي في العراق من أطيب أرومة وأعرق بيت، ولا أظنها كانت تدري أنها ستصبح رائدة إعلامية، بل إنّ جلّ المصادر والكتب والأبحاث التي كُتبت عنها قد اهتمت بها في مجالات الريادة الإسلامية، والريادة الجهادية، والشهادة، وريادة العمل الاجتماعي والفكري والتعليمي الإسلامي النسوي، إلا أنها لم تعطها حقّها من ريادتها المتميزة للإعلام الإسلامي النسوي. تنتمي رائدتنا الإعلامية إلى تراث أسري ضخم لا يُبارى، فهي سليلة أسرة آل الصدر التي تعدّ من الأسر العلمية العريقة والتي أنجبت العديد من الأعلام الذين طبقت شهرتهم الآفاق وذاع صيتهم في دنيا العرب والإسلام, إذ يرجع نسبها الشريف إلى النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، فاشتهرت هذه الأسرة بكثرة العلماء الدينيين فيها الذين نبغوا في مجالي الدين والفقه، والجهاد والسياسة. وكما في السير التاريخية للعظماء يُدهش الباحث من بناء هذا الصرح الإنساني الخلّاق دونما تأسيس من مدرسة أو جامعة، فقد درست الشهيدة بنت الهدى في منزلها علوم النحو، والمنطق، والفقه، والأصول جنباً إلى جنب العلوم التقليدية التي تُدرس في المدارس الحكومية. وهكذا جمعت ما بين الدراسة الأكاديمية ودراسة المعارف الإسلامية، في رعاية وافرة من والدتها وشقيقها وأخوالها. فلم تتلق تعليماً ولا تثقيفاً من أحد غير أخويها إلى أن كبرت ونضجت وصارت هي التي تفتح حلقات التعليم والتربية لبنات المؤمنين. ولقد جاءت شهادة السيدة (بنت الهدى) بحقّ رعاية أخويها لها في قابل الأيام وخصوصاً بحقّ أخيها الشهيد محمد باقر الصدر الذي ما انقطع يوماً عن رعايتها وتعليمها وتثقيفها حتى آخر يوم من عمرها.. فنجدها تقول بحقّه: (إنني سعيدة فيما توفر لي من ظروفٍ خاصة مكنتني من الطموح لبناء جيل من المؤمنات المربيات اللاتي يمكنهنّ خدمة الإسلام بأفضل ما يمكن، فأنا وبفضل الله تعالى بقرب أخي أحصل منه على التوجيه في كيفية العمل والرؤى الصحيحة والمناسبة من جانب، وعلى الثقافة المعمقة والفهم الصحيح للإسلام من جانبٍ آخر، فأرجع إليه في كلّ ما يصعب عليَّ، وأحصل منه على أفضل ما يكون ويمكن وخاصة في المسائل الفقهية والفكرية، وهذه نعمة كبيرة يجب أن أشكر الله عليها). وعلى الرغم من الدور الكبير الذي أداه أخوها الشهيد السيد محمد باقر الصدر في بناء شخصيتها وصقلها، وصياغة أفكارها، وتشجيعها على الكتابة والتأليف، والتصدّي للعمل الإعلامي النسوي، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة شخصيتها الفذة وصفاتها المتميزة التي عُرفت بها منذ طفولتها من ذكاء وقّاد، وسرعة حفظ، وقابلية على الإقناع والجذب، فلم تكن تراها امرأة وتسمع كلامها ومنطقها إلا وقد أعجبت بها وأصبحت من مريداتها. فهي أخت الشهيد المجاهد السيد الصدر، ولكنها في الوقت نفسه (بنت الهدى) تلك الشخصية المفعمة بالتميز والطموح والذوبان برحيق الإسلام ورونقه، وإن لم تكن كذلك لما استفادت من الشهيد الصدر بشيء، فكم من أخوات مراجع وأخوات عظماء مرّ بهنّ التاريخ مرور الكرام، ولم يصلنَ إلى المستوى الذي وصلت إليه الشهيدة بنت الهدى ريادةً وتضحيةً.