الغَرَابِيبُ السُّودُ وفَتْوَى الفِدَاء

منى محسن/ بغداد
عدد المشاهدات : 177

جاء ديننا الإسلامي بتباشير الرحمة والإنسانية جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور جاء ليزهق الباطل وأهله ويحق الحق وأهله، كلّ هذه المعايير جسّدها نبيّنا نبيّ الرحمة الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله) في سيرة حياته الشريفة. فكان مصداقاً حقيقياً لكلّ معايير الخلق الجميل فقد أودع الله تعالى صفات السماحة والتواضع والإنسانيّة في قلبه الشريف حتى قال عز من قائل: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)/ (القلم:4)، وهكذا مضت سفينة النجاة تشق طريقها من سنا نبينا الأكرم(صلى الله عليه وآله) فكان أهل بيته(عليهم السلام)امتداد حقيقياً لتلك السيرة في العلوم والخلق والرحمة الفياضة. فتواترت الأخبار وتواردت المواقف التي تخبر عن سيرة الأبرار في إشاعة السلام والمحبة والتواضع والطيبة في تعاملهم في مختلف المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها بل وأزيد من ذلك أنهم كانوا يتعاملون بتلك الأخلاق حتى مع ألدّ أعدائهم، وأكثر من ذلك حتى مع قاتليهم!! إنهم نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله) تحرّكوا في آفاق الحياة بتلك الآلاء النبيلة والسجايا الفاضلة وقد رسموا على جيد الزمان الصور المشرقات والبراهين الساطعات ليكونوا السراج المضيء في عتمة الوجود فكانوا القدوة والأسوة دون منازع في دنيا الإسلام وقد حملوا راية الإسلام خفّاقة بمحمل الدين الحق وبواعز الإيمان أو الحرص الشديد. وبعد تعاقب السنين وامتداد الزمان تخرج الأرض من بطونها صعاليك مجرمين يرسمون صورة أخرى مغايرة لصورة الإسلام التي شرعها وأسّسها بجهده وجهاده محرر ومنقذ البشريّة نبيّنا الأكرم محمّد(صلى الله عليه وآله) ليلتف الأقزام والمارقون والقتلة والحاقدون الذين باعوا دينهم بالدراهم المعدودات حولهم يصفقون لهم في ذبح الرؤوس وتفخيخ الناس دون جرم وقتلهم بدم بارد مدعين بأنهم تحت خيمة الإسلام وقد رفعوا لواء وراية الإسلام ونسبوا لهم الحق في الإبادة والقتل وهتك الأعراض دون أي تردد والإسلام منهم براء براء براء. فهل قذفتهم الأرض من مشارقها ومغاربها نكرانا ليسقطوا على أرض الطهر والأنبياء فيعيثوا في الأرض الفساد!، أم هل نفوا من الوجود لبغيهم وقباحتهم ليهلّوا على بلد السلام غرابيب سود يبشّرون بالويل والثبور!؟ جمعتهم أفكار سوداوية وأمّلت في عقولهم سموماً عدوانيّة وحركتهم نوازع شيطانية أباحت لهم أفعال الإجرام والكفر وأتاحت لهم قتل الأبرياء تحت غطاء الدين المزيف الذي يدعون، أشد الأمور وقاحة وأبشعها أفكاراً أنهم يدّعون أن في قتل الناس الأبرياء إرضاء للنبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)، حتى أن أحدهم يتصوّر أن له بتنفيذ عمليّة تفخيخ أجراً عظيماً يهبه معانقة الحور العين وسيكون غداؤه مع النبيّ(صلى الله عليه وآله)..لا غير! هراء أحمق وكذب ملفّق مرّر على عقولهم الساذجة لتحيلهم إلى جزارّين يشربون دماء المسلمين دون أن يحرّك في قلوبهم الميتة ساكناً وهكذا انطوت الأكذوبة لتجرّ على بلاد الرافدين الموت والقتل والتشريد والفتك. لتظلّ هذه البقعة الممحّصة بالبلاء موقعاً تنفّذ فيه الجرائم على مرّ الزمان بيد الظالمين والجبابرة والحقاد، وليظل العراق رازحاً تحت وطأة الخطط اللعينة التي يعتنقها شرذمة خلق الله(عز وجل) المستبدّين في الطغيان. إزاء كلّ تلك الانتهاكات ووسط بحر الماء المراق وتحت صراخ الأمهات المفجوعات وعويل الأيتام والأرامل كان لابدّ من صحوة تعيد العقل إلى الرشاد ولابدّ من دعوة تكون بمثابة الطلقة لتعلن عبر لغة تشظيها أن لا للظلم والطغيان. ولقد كانت تلك الطلقة المصوبة متمثله بنداء المرجعية الحازم الذي أعلن فتح باب الجهاد والدفاع عن الوطن والعرض والشرف من كلّ من هو قادر على حمل السلاح، هكذا تصدت المرجعية بفتوى أحالت تلك الأنفاس المشرئبة بالدماء الزكية إلى جرذان يلوذون بصمتهم الجبان؛ لأن تلك الصرخة أوقدت جذوة الفداء ورخصت الدماء الطاهرة حفاظاً وصوناً للبلاد، وإن كان هنالك ضعف إداري في عمل وتنظيم أجهزة الدولة في تدريب تلك الحشود التي هبّت لنصرة صوت المرجعية واستنهضت همّتها وشمّرت عن ساعدي التضحيّة وبذل النفس، لكن ذلك لا يلغي الدور الريادي الذي طرحته المرجعيّة الحكيمة في وقت حرج عصفت في سماء وطننا الحبيب رياح الغدر والشر. وعلى أثر هذه الخطى المباركة التحقت الجموع متوسّمة بالصبر والقوة وقد مضت تسحق نوايا الكفر والتكفير وتزلزل أمانيهم الحاقدة على بلد وشعب آمن لا ذنب له إلّا لأنه بلد الأنبياء والأولياء والصالحين!؟ ومثلما جنّدوا لخرق كلّ السنن وتدمير المقدسات والمعالم الحضارية فيه فلقد تصدى أبناء الرافدين وفق فتوى المرجعية وجادوا بالنفس والروح والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وهكذا انتظمت الطوابير ملتحقة إلى ساحات الوغى ونقاط المواجهة تساندهم دعوات الأمهات وتحيطهم تراتيل الآباء، وتلفّهم رحمة الله الواسعة وعينه التي لا تنام، وتتنفّس سماء العراق من جديد لترتفع في الآفاق وترفرف قلوب الأمهات صوب فلذات الأكباد وهم ينذرون نفوسهم فداء لتراب الوطن؛ لتقف المرأة من جديد وتعطي كما هو ديدنها على مرّ الدهور بكلّ قوة واستبسال تشاطر الموقف وتقتسم الحزن وتكابد الأحزان مع الرجل، فتضفي بتلك الوقفات الشجاعة المتتالية أملاً وعبقاً.