حُسَينٌ مِنِّي

رجاء علي مهدي
عدد المشاهدات : 366

مَن لم يمرَّ عليه اسم الإمام الحسين بن علي؟ ذلك الثائر الصلب الذي ترك بصمته الواضحة على التاريخ الإسلامي، وقلب طاولة الأمويّين، وضيّع أحلامهم في إنشاء دولة الظلام والجاهلية، وإرجاع العجلة إلى الوراء إلى ما قبل بعثة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله)، لقد أطَّر رسول الله (صلى الله عليه وآله)علاقته بالحسين (عليه السلام)، وأثّر هذا الرجل في عموم الدين الإسلامي، فتراه يصف هذه العلاقة بأرقى درجات الوصف، إذ يقول: “حُسينٌ منّي وأنا من حُسين”، فاستعمل (مِن) التي تُفيد التبعيض، وتشير الى عود هذا الفرع إلى ذلك الأصل. وقطعاً لم يكن يشير بهذا إلى التبعيض التكويني من الناحية الفسلجية وإلى عوامل الوراثة؛ لأنه لا يوجد أحد ينكر ما لهذه المسألة من دور في تكوين خلايا الإمام الحسين(عليه السلام)وبدنه، وما له من أثر في تكوين سيكولوجية الإمام (عليه السلام)، والظاهر أنّ الهدف من هذا الحديث كان أبعد من ذلك، فلقد كان يريد أن يشير للمسلمين إلى إنّ الحسين(عليه السلام)إذا كان في جانب في يوم ما، فإنّ هذا الخط يمثّلني، يمثّل خطي المستقيم الموصل إلى الله(عز وجل)، وقد يُطرح هنا تساؤل مهم، وهو أنه لمّا كان لأهل بيت النبوة كلّ هذا الدور المهم في الوصول إلى الله(عز وجل) والنجاة من النار والخذلان في الدنيا والآخرة فلِمَ لم يذكر الله تعالى أسماءهم بصورة واضحة لا لبس فيها؛ منعاً لكلّ هذه الإشكالات، وحقناً لدمائهم ولدماء المسلمين؟ وللجواب عن هذا الموضوع لابدّ من مقدمة، وهو أنّ الأسماء والألقاب هي ألفاظ مشتركة يصحّ أن تُطلق على أكثر من مصدر، فلا يصحّ أن يصرّح بها القرآن الكريم؛ لأنها سوف تبثّ الحيرة والتشتّت أكثر في نفوس المسلمين، ولكن القرآن الكريم ذكر أهل البيت (عليهم السلام) وعرّفهم بأوصافهم التي لا تقبل الخطأ والاشتباه، وحصر موضوع الإمامة في مَن تنطبق عليه هذه الأوصاف، حيث قال لنبيه إبراهيم (عليه السلام): (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )/ (البقرة:124)، وقد وردت آيات تُثبت عصمة أهل البيت (عليهم السلام) وإمامتهم، واتّفق المسلمون جميعاً على أنه نزلت في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وإن كانوا اختلفوا في بعض التفاصيل. ولنتناول آية التطهير التي لا يشكّ أحد من المسلمين بأنها شاملة لبيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وإنما وقع الخلاف في دخول نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)في هذه الآية أو عدم دخولهنّ، وقد ذكر العلماء قرائن واضحة في اختصاص هذه الآية بأهل البيت (عليهم السلام)، وبإثبات عصمتهم المطلقة، واليك هذه القرائن بإيجاز: القرينة الأولى: اللام في (أهل البيت (عليهم السلام)) هي لام العهد، وليست لام الجنس (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا )/ (المعارج:19)، ولام الاستغراق قد تُطلق ويُراد منها استغراق أفراد الجنس، كقوله (سبحانه وتعالى) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ.. )/ (التحريم:9)، وإنّ المراد من البيت ليس هو البيت المبني من الطابوق والآجر والأخشاب، وإنما البيت المعهود؛ لأنّ لام العهد تستعمل باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلم والمخاطب. القرينة الثانية: تذكير الضمائر، فنرى أنه سبحانه حينما يخاطب أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله)يخاطبهنّ بحسب المعتاد بضمائر التأنيث، ولكنه حينما يصل إلى قوله (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )/ (الأحزاب:33) يغيّر الصفة الخطابية من التأنيث، ويأتي بصفة التذكير. القرينة الثالثة: الإرادة التكوينية لا التشريعية، وهي تدلّ على أن من سماتهم كونهم معصومين من الذنب، وذلك بدليل أنّ الإرادة في قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ) هي الإرادة التكوينية التي لا ينفكّ المراد فيها عن الإرادة، وتكون متحققة وثابتة في الخارج، وبما أنّ المراد هو إذهاب الرجس وإثبات التطهير وتجهيزهم بالأسباب والمعدات المنتهية إلى العصمة، فلا يصحّ أن يراد من أهل البيت (عليهم السلام) أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)إذ لم يدّعِ أحد من المسلمين كونهنّ معصومات من الذنب، ومطهرات من الزلل. القرينة الرابعة: إنّ الآيات المرتبطة بأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله)تبتدئ من الآية 28 وتنتهي بالآية 34 من سورة الأحزاب، وهي تخاطبهنّ تارة بلفظ الأزواج، ومرتين بلفظ نساء النبي (صلى الله عليه وآله)الصريح في أزواجه، فما هو الوجه في العدول عنهما إلى لفظ (أهل البيت)؟ فإنّ العدول قرينة على أنّ المخاطب به غير المخاطب بهما. هذه جملة من القرائن في واحدة من الآيات التي تحدثت عن أهل بيت رسول الله (عليهم السلام)، وإثبات عصمتهم التي هي بدورها دليل على إمامتهم وقيادتهم للأمة، فلا دليل إذن لمَن يحاجج بأنه أين ذُكر أهل البيت (عليهم السلام) وأحقيتهم بالإمامة؟ فالله تعالى قد وثّق إمامة أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم الذي هو كتاب المسلمين وميثاقهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ومن جانب آخر فقد عيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله)في حياته وأكد بأحاديث كثيرة مَن هم المقصودون بهذه الآيات، وليس على المسلم إلا أن يبحث عن هذه الأدلة في إثبات إمامتهم. ............................. أهل البيت (عليهم السلام) سماتهم وحقوقهم في القرآن: ص14-20.