فِي رَكْبِ الإِمَامِ الحُسَيْن (عليه السلام)

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 233

في يومنا الممتد لساعات طوال، وفي معترك الحياة الغامر بالحركة والنشاط والعمل، وفي سكون الليل وهدوء الكون، تُسجّل أعمالنا اليومية، حركاتنا وسكناتنا عند مَن لا تغرب عنده مثقال ذرة، تُسجّل خفايانا وظواهرنا، ما نحبّ إظهاره، وما نحرص على إخفائه. هكذا تتراوح أوقاتنا، وتنتهي ساعات نهارنا بين حسن وقبيح؛ ليختم الكرام الكاتبون صحيفة يومنا خلف تلك الأفعال، وتحت ظلال تلك الأعمال، فإن جاءت وتوّجت بالباقيات الصالحات، صلح حالنا، ووفّقنا لمرضاة الله تعالى ورسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله)والإمام الموعود، والعكس صحيح حيث جاء عن أبي عبد الله(عليه السلام)في تفسير الآية الكريمة من سورة التوبة: (وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) حيث قال (عليه السلام): “تُعرض أعمال العباد يوم الخميس على رسول الله (صلى الله عليه وآله)وعلى الأئمة”.(2) والسؤال الذي لابدّ من طرحه في هذا الوقت يقول: تُرى، ماذا نعمل اليوم لنرضي الله ورسوله والإمام الموعود؟ على وفق ما أوصانا به الإمام الحجّة في قوله المبارك: “فيعمل كلُّ امرئ منكم ما يقرب به من محبتنا وليتجنب ما يدنيه من كراهيتنا، وسخطنا”.(3) وليتصور كلّ منا أنّ بمقدوره ومن خلال فعل المعروف أن يُدخل السرور على قلب الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله)وعلى الأئمة من ولده (عليهم السلام) وخاتمهم المهدي الموعود، وإنّ في أعمال البر سبباً حتميّاً لتعجيل الظهور المبارك، كما ورد في الرسالة الثانية التي رواها الطبرسي مرسلاً عن الإمام المهدي إذ قال: “ولو أنّ أشياعاً وفقّهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا”.(4) من هنا یُفهم أن أهم المسائل في كيفيّة الانتظار هي أن نعلم كیف نعمل حتى یرضی عنّا الإمام (عليه السلام)؛ لأن رضا الإمام هو رضا الله سبحانه، وإذا رجعنا إلی سائر أقوال الأئمة (عليهم السلام) ینكشف لنا الغطاء عن وجه آخر، له غاية في الأهميّة، حيث رُوي عن الإمام السجاد(عليه السلام)كلام یفسّر ما هي أعظم مصیبة فی الكون، قال الراوي: “نَظَرَ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)إِلى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(عليه السلام)فَاسْتَعْبَرَ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ‏ أَشَدَّ عَلَى‏ رَسُولِ‏ اللَّهِ‏ (صلى الله عليه وآله)مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قُتِلَ فِيهِ عَمُّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَبَعْدَهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ قُتِلَ فِيهِ ابْنُ عَمِّهِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): وَلَا يَوْمَ كَيَوْمِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)ازْدَلَفَ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَجُلٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلٌّ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِدَمِهِ وَهُوَ بِاللهِ يُذَكِّرُهُمْ فَلَا يَتَّعِظُونَ حَتَّى قَتَلُوهُ بَغْياً وَظُلْماً وَعُدْوَاناً).(5) والمتأمّل في هذا البیان يجد وجه عظمة مصيبة عاشوراء، حيث ظنّ شرذمة من الناس قتل الإمام الحسين(عليه السلام)غاية القرب إلی الله(عز وجل)؛ لذا تعدّ مصیبة عاشوراء أشد یوم علی الرسول (صلى الله عليه وآله)والأئمة (عليهم السلام) جميعاً؛ لأنها تدلّ على الفهم الخاطئ والتدیّن المعیوب، وذلك باعتقاد الناس أنهم علی مسیر النبيّ (صلى الله عليه وآله)والقرب الإلهي في حين صمّوا آذانهم ولم یقبلوا الحقیقة من جانب الإنسان الذي كانت منزلته واضحة عند الله(عز وجل) والرسول (صلى الله عليه وآله). أليست هذه مصیبة نحن المسلمین أوردناها علی إمامنا أكثر من ألف عام، وهو ینتظر إصلاحنا، ولكن نحن ما نزال لا نصلح؟ بل ويقع المسلمون اليوم في مصائب مشابهة، فيقتلون ويذبحون وينتهكون الأعراض تحت راية الإسلام، فيتأخر بذلك الظهور، ويغتمّ قلب النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)وآله الطيبين. إذن إنّ الاستعداد لظهور المهديّ یرتبط بإصلاح تدیّننا المعیوب الذي أظهرته وأبرزته عاشوراء بوضوح تام كنموذج، كما أبرزت في الجانب الآخر نماذج من التدیّن الصحیح متمثلاً بتدیّن أصحاب الإمام الحسین (عليه السلام)؛ ولهذا یمكن القول: إنّ عاشوراء نموذج للمدرك الصحیح والمستعد الحقيقي للظهور المبارك. .............................. (1) (التوبة:94). (2) تفسير البرهان: مجلد2، ص838. (3) بحار الأنوار: ج53، ص176. (4) الاحتجاج: ج2، ص325. (5) الأمالي للصدوق: ص462-463.