رياض الزهراء العدد 88 همسات روحية
الزِّيَارةُ_ حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)وآله في القرآن الكريم والسنة
إنّ زيارة الأنبياء والأولياء المقرّبين وبخاصة زيارة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله)من المستحبات التي حثّ عليها (سبحانه وتعالى) في كتابه العزيز، ووصفها بأنها خير لمَن يؤديها، وهي من تقوى القلوب. قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ )/ (الحج:30)، وقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )/ (الحج:32). فمن الحرمات التي أمر الله (سبحانه وتعالى) بتعظيمها هي حرمة النبيّ (صلى الله عليه وآله)وأهل بيته (عليهم السلام)، فحرمة النبيّ (صلى الله عليه وآله)تعدّ من أعظم حرمات الله تعالى؛ لذا فإنّ مراعاة حرمته (صلى الله عليه وآله)فرض على كلّ مسلم، ومَن تعدّى عليها أو هتكها فقد خرج من ربقة الإسلام وحظيرة الإيمان، بدليل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا )/ (الأحزاب:57)، وقوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ.. )/ (التوبة:3). ففي هذه الآيات قرن (سبحانه وتعالى) اسمه باسم النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وبذلك يعدّ من أعظم الحرمات، وهذه الحرمة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)ليست منفصلة عن حرمة أهل بيته (عليهم السلام)، فهي مقرونة بها وملازمة لها بنصّ القرآن الكريم، فخصّهم تعالى بما خصّ رسوله من التمجيد والتكريم والمودة، فأوجب على المسلمين مودتهم كما أوجب عليهم مودة رسوله، وذكرهم الله تعالى في كتابه المجيد في آيات عديدة، قال تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ.. )/ (آل عمران:61)، وقوله تعالى: (..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.. )/ (الشورى:23)، فخصّهم بالسلام في كتابه من دون غيرهم من أوصياء الأنبياء، إذ قال تعالى: (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ )/ (الصافات:130)، ولم يقل: (سلام على آل إبراهيم أو آل موسى). وكذا أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله)دعا إلى وجوب حفظ حرمة أهل بيته في أحاديث عديدة، جاءت في كتب الفريقين من الشيعة والسنة، وقال إنها من أعظم الحرمات التي أمر الله تعالى بمراعاتها. ورد عن أبي سعيد الخدري أن النبيّ (صلى الله عليه وآله)قال: “إنّ لله حرمات ثلاث، من حفظهنّ حفظ الله له أمر دينه ودنياه، ومَن لم يحفظهنّ لم يحفظ الله له شيئاً: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة عترتي”.(1) وروى الشيخ الطوسي في التهذيب عن أبي عامر (واعظ أهل الحجاز)، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه(عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)لعلي: “يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم، وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمّرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم إلى الله، مودة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي..”.(2) إن حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)وأهل بيته (عليهم السلام) التي أُكّد عليها في القرآن والسنّة لم تقتصر على أشخاصهم المباركة في حياتهم، بل تشمل كلّ ما يتعلق بهم من زيارة مشاهدهم وقبورهم، وما إلى غير ذلك من تعظيم وتقديس. وبالنتيجة يكون لزاماً على كلّ مسلم حفظُ حرمة أشخاص الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام)، وحرمة قبورهم وتجليلها وتقديسها، وصيانة مشاهدهم المقدسة، وجعلها بالمستوى الذي يليق بشأن أصحابها؛ لأن ذلك يعدّ تعظيماً لساكنيها، وحفظاً لحرماتهم، وهو بعينه تقرباً إلى الباري جلّ وعلا بامتثال أمره وتعظيم حرماته وشعائره. وما حبُّ الديار شغفنَ قلبي ولكنْ حبُّ مَن سكنَ الدّيارا ............................... (1) بحار الأنوار: ج24، ص185، المعجم الكبير: ج3، ص126. (2) تهذيب الأحكام: ج6، ص22.