رياض الزهراء العدد 88 لحياة أفضل
العَائِلَةُ المِثَالِيَّة_خدمة زائري الإمام الحسين(عليه السلام) إحياء لشعائر الله تعالى
الأسرة المحطة الأولى التي ينطلق منها قطار المجتمع باتجاه هدفه المنشود في رحلته الشاقة، كما أنها النواة الأولى للمجتمع، فهي التي تمدّ المجتمع بالأبناء لإدارة عجلة سير الحياة، لذلك كان من الضروري الاهتمام والعناية اللازمان بها؛ ولكون الأسرة تحتل هذه المكانة المتميزة بالنسبة إلى المجتمع نجد أن الدين الإسلامي اهتم اهتماماً بالغاً بجميع المراحل التي تمرّ بها الأسرة، ووضع الأحكام اللازمة لذلك، واستمرت عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال، على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً، حيث يكون قدوة حسنة في الخُلق والسلوك كالرسول (صلى الله عليه وآله)، يستوعب الرسالة ويجسدها في كلّ حركاته وسكناته (صلى الله عليه وآله)، والصفوة من أهل بيته (عليهم السلام). عائلة الحاج (أبو حيدر) هي عائلة مكوّنة من خمسة أولاد وأربع بنات، يتعاونون ويتكاتفون فيما بينهم كالبنيان المرصوص من أجل خدمة زائري الإمام الحسين(عليه السلام)في العاشر من شهر محرم وأيام الزيارة الأربعينيّة، وذلك بأن يجمعوا المال اللازم لذلك عن طريق تخصيص صندوق للإمام الحسين (عليه السلام)، يستقطع كلّ منهم مبلغاً معيناً من راتبه كلّ شهر طوال العام؛ لغرض الإنفاق على إطعام الزوّار في شهري محرم وصفر، فيجمع ما يقارب ثلاثة ملايين دينار شهريّاً، أي ما يساوي 36 مليون في السنة. وعن هذا الأمر تكلم لنا الابن الأصغر في العائلة فقال: فتحتُ عيني وأنا أرى أهلي يخدمون الزوّار بالخفاء في زمن اللانظام، وكانوا يتعرضون لشتى أنواع الخطر والظلم والاستبداد، وبعد سقوط اللانظام أصبح الأمر أكثر حريّة، فتمكنّا من نصب موكب خدمي على الطريق الرابط بين النجف وكربلاء، يخدم فيه جميع أفراد العائلة صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً فضلاً عن أعمامي وأولادهم الذين يشاركوننا في المساعدة الماديّة والمعنويّة، هدفنا خدمة زوّار أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)من منطلق قوله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ/ ) (الحج:32). عادة نبدأ بترتيب الموكب قبل استقبال شهر المحرم بأيام، وتستمر الخدمة لمدة عشرة أيام، ثم منذ بداية شهر صفر وحتى أيام الأربعينية، ففي كلّ وجبة غداء نطبخ (3) أكياس من الرز (تمن)، ونذبح من (3 ـ 4) خِراف، ونخبز (2 ـ 3) أكياس من الطحين، أمّا في وجبة العشاء فنخبز (5) أكياس من الطحين. أمّا زوجة الابن فتقول: إننا نخدم النساء في موكبنا بغسل ملابسهم، وتقديم الطعام لهنّ، فضلاً على مزاولة أعمال أخرى كالعجن، والخبز، واستقبال الزائرات، وإذا ما كان الموكب مزدحماً، فإننا نصطحبهنَّ إلى البيت؛ للمبيت، والاغتسال، والراحة. وأولادنا جميعاً يقومون بتدليك أقدام الزائرين، فضلاً على المشاركة في توزيع الطعام، ونحن الكبار نقوم بعملية الطبخ بواقع ثلاث وجبات يومياً، (وجبة الإفطار، ووجبة الغداء، ووجبة العشاء الذي نقدّم فيه السندويشات) زيادةً على الشاي الذي يكون مستمراً من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل. قال الإمام الصادق: “..رحِم الله مَن أحيا أمرنا..”(1) إن خدمة زائري الإمام الحسين(عليه السلام)إحياء لأمر أهل البيت (عليه السلام)، وخدمة لمحبيهم (عليهم السلام)، لتتعلم الأجيال السابقة واللاحقة هذه الخدمة، وتداوم عليها؛ لتنهل من عبير أهل البيت (عليهم السلام)، وتستشف منهم العبر في إحياء النفس البشريّة، وتستلهم الدروس الكثيرة من واقعة الطف، وشخوص عاشوراء، فالتضحية، والفداء، والشجاعة، والإيثار، والصدق، والوفاء، والغيرة على الدين، والصبر على الشدائد، وجهاد النفس وغيرها من مناهل، يرقى بها المجتمع، ويزدهر ويفوز إن طبقها فوزاً عظيماً. .................... (1) الأمالي للطوسي: ج1، ص149.