الدَّوْرُ الإِعْلامِي للعَقِيلَةِ زَيْنَب (عليها السلام)

د. بيان العريّض
عدد المشاهدات : 237

إنّ التأكيد على دور العقيلة زينب(عليها السلام) في إظهار حقائق النهضة الحسينية، يأتي من أهمية الكلمة ووقعها في النفوس آنذاك، فلكلّ عصر وسائله وأدواته، والخطب كانت وسيلة التوثيق والإعلام والإشهار في حياة العرب، لها الأهمية العليا في حفظ وقائعهم التاريخية، بل إنّ الخطبة كانت تعدُّ الوسيلة الإعلامية الأمضى أثراً في نفوس المتلقين آنذاك، فالعرب ككيان مجتمعي، وحضارة حية، اعتزوا بالكلمة وإلقائها، وكانت مشاهدهم ووقفاتهم البطولية تؤطرها وتحفظها من الاندثار خطب وأشعار تُلقى فتبيّن الهدف من الجمع أو المشهد، فتثير المشاعر وتخطف العقول بأفكار تصوغها كلمات تتناقلها فيما بعد الأفواه إلى أبعد المديات، فتصبح وثيقة حية لا تموت، تؤطر حياتهم وما مرّ بهم من وقائع. وحيثما كانت الكلمة لها هذا الوقع المبين في أنفسهم، فإن الله(عز وجل) قد أنزل عليهم معجزة نبيّهم المختار من لدنها، فكانت كلمات معجزات في كتاب معجز منزل من السماء اسمه القرآن. ومن هنا يتأتى تبيان أهمية وقفة السيّدة زينب(عليها السلام) وخطبها وكلماتها المرسلة كإيعازات (قائد حملة) إعلامية متكاملة يعي أهمية أن توضع الأمور في نصابها وتوضح مراميها فأنتجت ثورة كربلاء إعلاماً رسالياً مبدئياً إسلامياً هادفاً، اضطلعت بإظهاره ووضع ملامحه خطب العقيلة(عليها السلام). كان لها مجلس علمي حافل، يقصده جماعة من النساء اللواتي يردن التفقّه في الدين، وقد شهدت مأساة كربلاء، وكانت (عليها السلام) هي التي تدير شؤون العائلة المحمدية بعد شهادة أخيها الحسين (عليه السلام)، توفيت في 15 رجب سنة 65 هجرية، وقبرها في ضواحي دمشق، يناسب جلالتها وعظمتها. ومن كمال صفاتها أنها تشبه أمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام) في وفور علمها وحسن أعراقها وطيب أخلاقها والخفارة والحياء، وتشبه أباها (عليه السلام)في قوة القلب في الشدة، والثبات عند النائبات، والصبر على الملمات، والشجاعة الموروثة من صفاتها؛ لذا كانت بحقّ سيّدة الأحزان وسيّدة المواقف البطولية في كربلاء وما بعد كربلاء، على الرغم من خفرها وتسترها عن الأعين طوال عمرها حتى كانت تلقب بسيّدة المخدرات...، فعن يحيى المازني قال: كنتُ في جوار عليّ(عليه السلام)في المدينة مدة مديدة بالقرب من البيت الذي يسكنه وزينب ابنته، فلا والله، ما رأيتُ لها شخصاً ولا سمعتُ لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)تخرج ليلاً والحسن(عليه السلام)عن يمينها والحسين(عليه السلام)عن شمالها وأمير المؤمنين(عليه السلام)أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أبوها فأخمد ضوء القناديل، فسأله الإمام الحسن(عليه السلام)مرة عن ذلك، فقال (عليه السلام)أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب(عليها السلام). هذه هي السيّدة زينب بنت علي (عليها السلام)، هكذا هو حرص أمير المؤمنين(عليه السلام)عليها في أن لا يراها أحد، ومن هنا يمكننا تصور عظم موقفها في كربلاء والكوفة والشام حينما اضطرتها ظروف اضطلاعها بالدور الإعلامي للثورة أن تبرز بشخصها الكريم وصوتها الجليل معلنة الثورة على قتلة أبناء الأنبياء.