اللِّواءُ مِن يَدِ الكَفِيلِ(عليه السلام)إِلى يَدِ بَقِيَّةِ الله (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)

آمال الفتلاوي
عدد المشاهدات : 302

لأنه كان حامل لواء أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)؛ ولأن ذلك اللواء كان مصدر الأمان لسيّدات البيت النبويّ، وأطفال الرسالة، فلابدّ من أنّ السّيّدة زينب (عليها السلام) كانت تطمئّن حينما ترى اللواء يرفرف حول الخيام؛ ليرسم لوحة الوفاء التي أعدّت خطوطها السيّدة أم البنين (عليها السلام) منذ سنين لهذا اليوم. وفي أيامنا هذه وتصدّيا للهجمة الشرسة من قبل أعداء الدين، دأبت العتبة العباسيّة المقدّسة في إرسال الوفود إلى المناطق الساخنة في مبادرة غير مسبوقة لتقديم الدعم المعنوي واللوجستي ومعهم راية أبي الفضل العباس (عليه السلام)التي ما إن تنشر حتى يشعر الأهالي والمقاتلون بالأمان والطمأنينة فتعطيهم الحافز للانتصار ببركة الراية المباركة وبالمقابل يندحر العدو بمجرد أن ترفرف عاليا، إنها هيبة أبي الفضل (عليه السلام). صفات حامل اللواء: من المعروف أنّ اللواء لا يُعقد إلا لمَن عُرِف بالشجاعة، والشهامة، والنبل، والشرف؛ لأن المشهور قديماً أنه ما دام اللواء مرفوعاً في المعركة، فإنه يقويّ من معنويّات الجيش، ويعطيهم الدافع للنصر؛ فلذلك يجب أن يكون حامل اللواء شخصاً يتميّز بالمواصفات التي تؤهّله لتحمّل تلك المسؤولية الجسيمة، وقد قال الإمام علي(عليه السلام)في مواصفات مَن يحمل الراية: "... ورايتكم فلا تميلوها، ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم، فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم...".(1) وقد ورد في الروايات أنه بعد معركة الطف انتهب الجيش مخيم الإمام الحسين (عليه السلام)، وجمعوا الغنائم وبعثوها إلى يزيد اللعين، وكان من جملة ما فيها اللواء الذي كان يحمله أبو الفضل العباس (عليه السلام)، فلمّا وقعت عين يزيد عليه تعجّب، إذ رأى أنّ اللواء لم يسلم من الطعن والضرب إلا في مكان مقبض اليد منه، فسأل متعجباً: مَن كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟ فقيل له: العباس بن علي (عليه السلام)، فلمّا سمع بذلك قام من مكانه ثم جلس ثلاث مرات؛ تعجباً من شجاعة العباس (عليه السلام).(2) وتمرّ السنين والعصور، ويُبنى لأبي الفضل(عليه السلام)علمٌ لا يُدرس أثره، ولا يُمحى رسمه، تحوطه الأعلام والرايات التي صارت رمزاً لتضحياته، وأضحت الفيصل بين الحق والباطل في إنهاء النزاعات العشائريّة والعائليّة والقوميّة. وللتفصيل أكثر توجّهنا بأسئلتنا إلى قسم الشؤون الدينيّة في العتبة العباسيّة المقدّسة لمعرفة البعد الروحي لراية المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام) فأجابنا الشيخ عبد الهادي من وحدة اليمين مشكوراً: لا يخفى على القاصي والداني ما لأبي الفضل العباس (عليه السلام) من فضل وكرامات من حين استشهاده وإلى يومنا هذا وذلك جزاء لوفائه وتضحياته وفدائه وبذله وتسليمه لهذا الدين القويم وما قدم لحضارة الإسلام والمنهجية العظيمة للإنسانية جمعاء، لهذا حباه الله بما حباه من الكرامة ولأجله تُقضى الحوائج ولرايته المكانة العالية، فكان وما يزال كما عهدناه وعرفناه باباً للحوائج وشفاءً للمرضى واستجابةً للدعوات وها نحن تحت لواء كرامته يومياً نرى كيف تحل النزاعات سواء أكانت عشائرية أم قومية أم مذهبية أو من الديانات الأخرى غير الإسلامية وكيف أن الوقوف في هذا المقام السامي له شأنه بحلها دون أن يذهبوا إلى محاكم أو قوانين وضعية أوعرفية فينتهي بهم إلى هذا المقام, فيتم الصلح بينهم, ومنهم: من يعترفون بالحقيقة قبل اليمين ومنهم لكرامته (عليه السلام) يستبصرون ومنهم من تردّ حقوقهم وأموالهم وأراضيهم إليهم ومنهم من ينتهي بينهم القتل بعد ما كان من الآباء والأجداد إلى الأبناء ومنهم من يستوثقون من أعراضهم بأنها بيضاء طاهرة ومنهم من يمتنعون عن أداء اليمين لخوفهم من العواقب ومنهم من يتركون اليمين كرامة للمولى أبي الفضل (عليه السلام) ومنهم من يتنازلون عن حقوقهم إكراما له (عليه السلام) ومنهم من يتصالحون وهكذا لا تعدّ ولا تحصى كراماته ومالها من فضل وما له(عليه السلام)من أياد كريمة وكرامات عظيمة لها أثرها بين الناس فضلاً عن المؤمنين ومن شاء التفصيل فليتفضل بزيارة أبي الفضل العباس (عليه السلام) وزيارة قسم الشؤون الدينية وحدة اليمين عن كثب والله الموفق. ولأجل الإلمام بهذا الموضوع من الناحية الفنية، وجهنا أسئلتنا إلى شعبة الخياطة والتطريز التابعة لقسم استلام النذور والهدايا في العتبة العباسية المقدسة، فأجابنا الأستاذ رئيس القسم (عدنان بديوي المنكوشي) مشكوراً: بَدءاً نجزل الشكر الوافر للباري (عز وجل) أن شرفنا بالخدمة في هذه البقعة المباركة، ولا يسعنا ونحن في هذا الموقع إلا أن نكون في مقام الفخر والسرور، وهذه أناملنا تلامس راية المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)، ولعلّنا نصيب كبد الحقيقة إذا ما قلنا إنّ تأسيس شعبة الخياطة كان من أجل هذه المهمّة ألا وهي إنجاز راية قمر بني هاشم(عليه السلام)التي ترنو لها أبصار المحبين، وهي ترفرف خفاقة تزيّن أعلى القبة الشريفة. هل رأيتم وميض النور الآتي من الطف وأنتم تبدعون في تفصيل الراية؟ منذ أن أُنيطت بنا هذه المَهمة ونحن نستشعر مواقف حامل لواء الإمام الحسين (عليه السلام)، حتى باتت هذه المواقف رفيقة دربنا، ولعلّنا لا نجد ما يجسّد هذا المشهد أبلغ من قول المرحوم محمد مهدي الجواهري: وخلت وقد طارت الذكريات بروحي إلى عالم أرفع إننا نركّز جلّ اهتمامنا ونحن ننجز الرايات مستلهمين العزم والإقدام من صاحب المرقد الطاهر، متوخّين الدقّة المتناهية في أثناء التصميم العملي لها، وصولاً لإحداث تناسب عملي بين القياس والشكل، فعرض الراية (3,5 طول ×2,5 عرض) مطرزة بعبارة (يا قمر بني هاشم) على شكل قمر دائري. هل ألهمتكم المعركة ما أنعش مخيلتكم بتصميم جديد؟ منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع ونتعايش مع واقعة الطف لحظة بلحظة، وقد لامست مخيلتنا بطولات الشهداء السعداء (عليهم السلام) ممّا أسهم في تطوير التصميم الخاص بالراية، فبعد أن كانت سابقاً تخطّ بخط بسيط وهو (الرقعة)، أصبحت الآن (بخط الثُّلث) وبسواعد أمهر الخطّاطين، وبصورة متداخلة على شكل قمر ممّا يوحي وللوهلة الأولى إلى رمزية قمر العشيرة (عليه السلام). ما هو الشعور الذي يراود مَن يخيط علم القبّة الشريفة الذي يرفرف فوقها؟ قد تعجز الكلمات في أحايين كثيرة عن وصف الشعور الذي ينتاب المرء لاسيّما إذا ما كان هذا الشعور يولده حبّ أهل البيت (عليهم السلام) الأطهار، فما عساني أن أقول وأنا في خدمة المولى الذي تتشرف الملائكة بخدمته فضلا عن البشر، ناهيك عن كوني ممّن يتشرّف بخياطة رايته المباركة، وهذا شعور لا يُوصف. ما هي الكرامات التي حصلت عن طريق الرايات؟ حدثت كرامات كثيرة لراية أبي لفضل العباس(عليه السلام)ممّا لا يُحصى عددها، وقد حدّث بها الموالون، وبلغت أصداؤها مسامع القاصي والداني ممّن تحقق مرادهم ببركة الراية الشريفة، منها طلب الحصول على الذرية، وشفاء الأمراض المستعصية... إلخ. اكتسبت راية أبي الفضل العباس (عليه السلام)الأهمية الكبرى من مقام صاحبها، وما يزال التاريخ يذكر لنا الكرامات الكثيرة التي حصلت ببركتها، فرايةٌ بهذه البركة لاشك سيكون لها تأثير عالمي حينما تخفق بيد مَن سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، فمن كفوف قطيع الكفين إلى كفوف الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام)، سترفرف عالية خفاقة وتمشي ملائكة الرحمان تحت ظلّها طلباً للبركة. .............................. (1) نهج البلاغة: ص268. (2) الخصائص العباسية: ص138.