فَازَوا فَوْزاً عَظِيماً

حوراء محمد الأسدي/النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 399

فيا ليتنا كنّا معهم قوافل عشق طوت المسافات، وحثت الخطى نحو معشوقها، مواكب نور جدّت السير راجية مرضاة محبوبها، قوم أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها، فوضعوا بصمة عزّ في سجل الخالدين، ورسموا لوحة فخر في صحف الفائزين، رجال نذروا العمر فداءً لدينهم، وبذلوا النفس وقايةً لمعتقدهم، صبروا أياماً قليلة أعقبتها راحة طويلة، فكانوا بحقّ رجالاً وأيّ رجال، لا تزلزلهم العواصف، ولا تجبّنهم القواصف، أشداءَ، أشاوسَ، مستأسدين، بواسلَ، أولئك هم الشهداء السعداء. والشهيد لغة مأخوذ من الشهود، وسُمّي بذلك إما لحضوره ميدان الجهاد ضدّ أعداء الحق، وإمّا لأنه يشاهد ملائكة الرحمة لحظة شهادته أو لمشاهدته النعم العظيمة التي أعدّت له، وإمّا لحضوره عند الله تبارك وتعالى.(1) وهو مَن يقتل دون أرضه أو أهله أو عرضه أو ماله، لاسيّما إن قُتل دفاعاً عن دينه ومعتقداته الحقّة، وللشهيد في سبيل الله المنزلة الأسمى، والفضل العظيم عند الله (عز وجل)، فقد ورد أنه أول مَن يدخل الجنة(2)، وأنه يشفع يوم القيامة في سبعين إنساناً(3)، وأنه عندما يقع على الأرض تقول له: (مرحباً بالروح الطيبة التي خرجت من البدن الطيّب، أبشر فإن لك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).(4) وأعظم من ذلك كلّه، هو أنّ أرواح الشهداء مستثناة من الموت في عالم البرزخ، لقوله تعالى:(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)/ (آل عمران: 169). فالشهيد يعيش منعّماً في عالم البرزخ، وتُفاض عليه المنح والمواهب المعنويّة التي لا يمكن تصورها، فيفرح لتلك الكرامة الإلهية، ويستبشر بتلك المزايا الملكوتيّة التي لا ينالها الكثير من الناس. كذلك هناك أشخاصٌ جعل الله لهم منزلة الشهداء يوم القيامة، فعن زيد بن أرقم، عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: "ما من شيعتنا إلا صدّيق شهيد" قال: قلت: جعلت فداك أنّى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فراشهم؟ فقال: "أمّا تتلو كتاب الله في الحديد: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(5)" قال: فقلت: فكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله تعالى قطّ. قال: "لو كان الشهداء ليس إلا كما تقول، لكان الشهداء قليلاً".(6) وعن الإمام الباقر (عليه السلام)أنه قال: “العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمَن جاهد والله مع قائم آل محمد (عليه السلام) بسيفه، ثم قال الثالثة: بل والله كمَن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فسطاطه”.(7) وفي طليعة أولئك الشهداء الصدّيقون أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)الذين فدوه بمهجهم ودمائهم على الرغم من قلّتهم وكثرة عدوّهم إلا أنهم لم يهابوا كثرتهم ولا تحزّبهم عليهم؛ لأنهم كانوا يملكون بصائر كالأسلحة القاصفة العاصفة التي تهلك جمعهم، وتدمّر عدّتهم، وتهزم فلولهم، فيصفهم الإمام المعصوم في زيارتهم بأنهم أولياء الله وأحباؤه وأصفياؤه وأوداؤه، وينعتهم بأنهم الأنصار الأبرار، ويخلع عليهم خلع التصديق والصبر والطهارة والهداية، بقوله: "السلام عليكم أيها الصديقون، السلام عليكم أيها الشهداء الصابرون"(8) وفي غيرها يقول: "السلام عليكم يا طاهرون، السلام عليكم يا مهديون".(9) أولئك الأفذاذ الذين ثبتوا في الدفاع عن إمام زمانهم واستوصوا به خيراً، حتى قال أحدهم لإمامه: "أكلتني السباع حياً إن فارقتك"(10)، فنالوا بجدارة ذلك الوسام الذي وسمه إياهم سيّد شباب أهل الجنة بقوله: "فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي"(11) فهنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة بما صبرتم واحتسبتم وأعنتم ويا ليتني كنت معكم فأفوز معكم. ............................ (1) تفسير اﻻمثل ج16ص 328. (2) بحاراﻻنوار ج71 ص272. (3) في ظﻻل التوحيد للشيخ السبحاني ص545. (4) مستدرك الوسائل للطبرسي ج11ص7. (5) (الحديد:19). (6) كلمات الإمام الحسين(عليه السلام):ج2، ص160. (7) معجم أحاديث المهدي: ج6، ص360. (8) بحار الأنوار: ج98، ص257. (9) بحار الأنوار: ج98، ص330. (10) كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج1، ص401. (11) كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج1، ص393.