السيّدةُ الزهراءُ (عليها السلام) والعصمة

رجاء علي مهدي/ التوجيه الديني النسوي
عدد المشاهدات : 259

سيّدة نساء العالمين هكذا قال فيها أبوها إنها فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وزوجة وصيه علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، ولقد شاء الله أن تكون حضن الإمامة وأصلها وأن تكون ذريتها هي امتداد ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) . كانت فاطمة (عليها السلام) أول من احتج على نتيجة السقيفة، وأول امرأة قادت ثورة ضد السلطة الغاصبة، خرجت تُطالب بحقِّ الخلافة المسلوبة، وكان دخولها لهذه الساحة من باب المطالبة بفدك النحلة التي أنحلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياها، وكانت قد وضعت يدها على فدك في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وكانت تجني ثرواتها وتنفق كلّ ما يدخل إليها منها على الفقراء والمساكين، وفي سبيل الدعوة إلى الله (عزّ وجل)، ونشر الإسلام، وهذا سبب عدم تغيّر حياة السيّدة الزهراء (عليها السلام) بعد أن أصبحت موفورة المال. لقد استنهضت المهاجرين والأنصار بخطبتها فنيّطت دونها مُلاءة بينها وبينهم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأسمعتهم صوت الحقّ بشجاعة بالغة ورثتها من أبيها محمد (صلى الله عليه وآله). ولما لم ترَ من المسلمين نصرة للحقّ واجهتها السلطات بالقوة والإرهاب، ولكن شيء من ذلك لم يثنِ عزمها على أن تسجّل لهم هذه الثلمة التي ثلموها في انشقاق الأمة وتسببوا في انحرافات عديدة في ما بعد في واقع الأمة الإسلاميّة. واستمرّ صوت الزهراء(عليها السلام) الهادر في مقارعة الظالمين حتى مضت شهيدة. ولقد أوصت بأن تُدفن سراً حيث لا يُعلم قبرها ليتجاوز احتجاجها ومظلوميتها حاجز المكان والزمان. فخُفي قبر السيّدة الزهراء (عليها السلام) فما كان من أعدائها إلّا أن يحاولوا أن يخفوا ذكرها وخلت كتبهم من أحاديثها بل شككوا في عصمتها وزعموا أنها جاءت تطلب حقاً ليس من حقها واحتجوا بدعوى (إننا معاشر الأنبياء لا نورث)، وأغمضوا العين عن آية التطهير التي لا خلاف في إثباتها العصمة لأهل البيت (عليهم السلام)، لقد نزل الوحي بآية التطهير على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في بيت أم سلمة (رضي الله عنها)؛ فعن عبد الله بن مغيرة مولى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عن أم مسلمة أنها قالت: نزلت هذه الآية في بيتها (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(1)، وأمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أرسل إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فلما أتوه اعتنق علياً بيمينه، والحسن بشماله، والحسين على بطنه، وفاطمة عند رجله، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" قالها ثلاث مرات. قلت: فأنا يا رسول الله، فقال: "إنك على خير إن شاء الله".(2) ولا خلاف بين المسلمين بأن أية التطهير تثبت لكلّ من كان تحت الكساء وأنها آية تخصهم عمّن سواهم، وأن الإرادة الواردة فيها إنما عني بها الإرادة التكوينيّة لله تعالى وهي إرادة إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم (عليهم السلام)، وثبوت هذه الآية يقتضي عصمتهم (عليهم السلام) . ولقد أكّدت آية المباهلة واقعة هي من أشهر الوقائع والحوادث في التاريخ الإسلامي، وهي واقعة مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله) نصارى نجران بأهل بيته (عليهم السلام) وكانت السيّدة الزهراء (عليها السلام) تمثل النساء في الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)/ (آل عمران:61)، لقد باهل النبي(صلى الله عليه وآله) بالسيّدة الزهراء وعائلتها(عليهم السلام) وانسحب المباهلون وسجّل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) نصر جديد. وعلى هذا إن ادعاء إنكار عصمة السيّدة الزهراء (عليها السلام) مردود لِما تقدّم في صدر الكلام، فضلاً عن ما صدر من أفعال النبي (صلى الله عليه وآله) وأقواله الدالّة على ذلك مما لا تدع مجالاً للشك في عصمتها بالعصمة المطلقة وإن لم تكن إمامة أو نبيّة، فعندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): يرضى الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها، فإن هذا القول تلازمه العصمة، وإلّا فكيف يقرن الله (سبحانه وتعالى) غضبه ورضاه بمن هي إنسانة غير معصومة فتكون في معرض الغضب والرضا لنفسها! وإنّ القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في الزلل والخطأ والغضب لغير الله تعالى والنسيان. وهذا يُنافي إطلاق الحديث، ففي كلامه (صلى الله عليه وآله) إطلاق بلا تقييد. والحق إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) كانت معصومة فلن تغضب إلّا لشيء يغضب الله (عزّ وجل) له، ومن كان غضبه يعني غضب الله تعالى ورضاه رضا الله تعالى فهو لن يفعل إلّا الحق ولن يميل إلى الباطل طرفة عين، وهكذا كانت هي سلام الله عليها. ................................. (1) (الأحزاب:33). (2) الأمالي للطوسي: ص264.