القُدوةُ المُبتغاةُ

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 159

تبرز على سطح الوجود الكثير من الشخصيات التي يعتقد البعض صلاحها وامتلاكها القدرة على جذب القلوب والعقول معاً، وما أن تنجلي الغبرة وتكفكف تلك الصيحة حتى تنطفئ تلك الأسماء وتندرس؛ لأنها لم تصمد أمام دليل العقل والفكر. فلقد يبتلى بعض الناس بأسماء وهمية يفتنون بها ويقتدون بها مدةً من الزمان حتى يحيطوها بشيء من الرمزية والقدسية وسرعان ما تزول؛ لعدم تأهلها لأن تصبح أسوة أو قدوة ينتفع منها كلّ ذي لب رشيد. وبينما يغوص البعض من السذج في تلك المتاهات الضائعة التي ساقتها لهم النفس الأمّارة، تنجذب الثلة الطيبة إلى مصدر الإلهام الرباني ومنهل الحق المتمثل في شخص النبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته الهادية المهديّة (عليهم السلام). قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا)/ (الأحزاب:21)؛ ليكون الخاتم الأمين مناراً وسراجاً للناس أجمعين؛ لتمتد تلك القدسيّة إلى كافة أفراد البيت المحمّدي، لتحظى السّيّدة الزهراء (عليها السلام) بالهالة العرفانية نفسها التي تلتف حول شخص أبيها (صلى الله عليه وآله)منقذ البشرية. جاء عن حفيدها الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) قوله: "..وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة.."(1)، فلقد مثّل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) مركز الإشعاع الفكري ومنبع الخلق الرفيع. وهكذا امتد التشابه وصار واضحاً بين أفراد البيت المحمدي الأصيل فصار كلٌّ منهم كأنه الصورة الثانية للآخر، ونَفَسٌ زكي يمتد من أولهم حتى آخرهم، وقد لفّ ذلك التشابه نفحات ملكوتيّة ومشيئة إلهيّة ربانيّة. فهنالك تشابه روحي ومعنوي وجسدي بين الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وجدته السّيّدة الزهراء (عليها السلام)، فمن حيث الولادة المباركة كان هنالك تشابه واضح بينهما، من حيث إعجازيّة الولادة، فعن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: "نعم، إن خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها، ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة (عليها السلام) لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه (صلى الله عليه وآله). فلما حملت بفاطمة كانت (عليها السلام) تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة (عليها السلام)، فقال لها: يا خديجة، من تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسّني".(2) فكانت(عليها السلام) تتكلّم في بطن أمها وتقرأ القرآن، وتنطبق الصورة تماماً مع الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) حيث تذكر السّيّدة حكيمة أنّها حينما قرأت سورة القدر كان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يجيبها بما تقرأ. وعندما سقطت السيّدة الزهراء (عليها السلام) من بطن أمها وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها، وكذلك الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) مثل جدته, سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابته نحو السماء.(3) وذُكر أنّه عطس وقال: "الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله عبداً ذاكراً غير مستنكف ولا مستكبر"، ثم قال: "زَعَمَت الظَلَمة أنّ حجة الله داحضة".(4) وقد دافعت السّيّدة الزهراء (عليها السلام) عن الإمامة دفاعاً قويّاً بعد وفاة والدها حين خرجت وألقت خطبتها في المسجد مذكّرةً ببيعة الغدير وبوصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله) بالإمامة إلى الإمام علي (عليه السلام). وكذلك الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) دافع عن الإمامة وعرّض نفسه للقتل مرات عديدة خصوصاً بعد شهادة والده وادّعاء عَمِّه جعفر التوّاب بالإمامة, فعمل جاهداً على تثبيت إمامته. ويزداد الشبه في أنهما كانا الوحيدين لأبويهما، فبهذا امتد ذلك النسل ينثر عبقه وطيبه ليحتلوا من دون منازع الأسوة والقدوة لكلّ الأجيال، فسلام الله على الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثوا أحياء ورحمة الله وبركاته. ...................................... (1) بحار الأنوار: ج53، ص180. (2) أمالي الصدوق: ص598. (3) مستدرك الوسائل: ج8، ص299، فاطمة من المهد إلى اللحد: ص43. (4) الغيبة: ص245.