رياض الزهراء العدد 92 همسات روحية
الزِّيارَةُ_ شَدُّ الرِّحالِ إلى زِيارةِ النَّبّي (صلى الله عليه وآله)
إنّ أدلّة استحباب زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسائر الأنبياء والأولياء ثابتة في السُنة والإجماع وسيرة الصحابة بلا شك فيها ولا شبهة، غير أن ورود إنكارها واعتبارها بدعة من جهة عدم وجود أحد من الصحابة والتابعين - بعد أن فتحوا بلاد الشام وقبل ذلك - سافر إلى زيارة قبر إبراهيم الخليل (عليه السلام) أو قبر غيره من الأنبياء الذين بالشام، بل لم يكونوا يزورون شيئاً من هذه الآثار والبقاع المضافة إلى الأنبياء(عليهم السلام) . وهذا التمسك الذي هو أوهن من بيت العنكبوت له مناقضاته في السُنة والإجماع وسيرة الصحابة. إن من البديهيات والواضحات في الشريعة الإسلاميّة أن فعل الصحابة وتقريرهم ليسا بحجّة على الناس، وليس من الممكن إثبات صحّة حكم شرعي أو نفيه استناداً إلى فعله، وليس كلّ ما لم يفعله الصحابة يكون بدعة. فالبدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، فإن مجرّد عدم فعل الصحابة لعمل ما لا يدل على أنه ليس من الدين إذا لم يكن من الواجبات؛ لجواز ترك الصحابة المستحب أو المُباح. إن في الروايات الكثيرة التي جاءت في الحثّ على زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته دليلاً كافياً على استحباب زيارة قبره (صلى الله عليه وآله)، فلا يجدي التمسك بما هو أوهن من بيت العنكبوت منع زيارة قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقبور سائر الأنبياء(عليهم السلام) والصالحين والسفر من أجلها، فأدلّة السفر إلى الزيارة كثيرة نورد منها ما يأتي: جاء في الحديث الشريف: "من زار قبري وجبت له شفاعتي".(1) وجاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله: "لو أن الناس تركوا الحجّ لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المُقام عنده، ولو تركوا زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المُقام عنده..".(2)؛ وذلك لإدامة العلاقة الروحيّة بين المسلم والنبيّ (صلى الله عليه وآله) . وكان الصحابة والتابعون وعلى رأسهم الخلفاء يذهبون إلى زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقبور شهداء أحد ومقبرة البقيع، واتخذ الكثير منهم من آثار الرسول (صلى الله عليه وآله) مسجداً ومزاراً، إذ روي أن عتبان بن مالك طلب من الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يصلي في بيته فصلى (صلى الله عليه وآله) فيه، واتخذ عتبان ذلك المكان مصلى.(3) وروي أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار: هل لكَ أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وتتمتّع بزيارته؟... فسافرا إلى المدينة لزيارة قبره (صلى الله عليه وآله) .(4) هل إن عدم زيارة الصحابة لقبر الخليل (عليه السلام) دليل على عدم جواز زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) وشدّ الرحال إليه؟ فذلك هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال. ................................... (1) سنن الدار قطني: ج2، ص217. (2) الكافي:ج4، ص272. (3) شفاء السقام: 27، ص246. (4) شفاء السقام: ج56، ص106.