القرآنُ الكريمُ هُوَ منهجُنا في الحَياةِ

د. إيمان سالم الخفاجي/ بغداد
عدد المشاهدات : 269

في زحمة الشؤون الدنيويّة، وفي معترك الحياة الماديّة، تتجلّى أهميّة الركون إلى الروح وإلى القيم الدينيّة موئلاً يضمّ الفضيلة، وينهل من معين السموّ الذي يتضافر عنده الجهد الذي يرسم الصورة المثلى للمعرفة التي تفيض بالنور الساطع وتسحق الباطل بسنابك الحق ذلك هو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتاب مبارك: (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)/ (المائدة:16)، إذ إنه يمكن القول وبثقة تامّة، واطمئنان علمي عالٍ، إنّ القرآن الكريم هو كتاب الحياة الأول بلا منازع، كيف لا وهو الذي شهد على نفسه بذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..)/ (الأنفال:24)، وكيف لا وهو كلام خالق الحياة، الحكيم العليم، الذي يعلم ما يصلحها وما يفسدها؟ إنّ كلّ آية من آيات الذكر الحكيم الزاخر بالحياة والحركة، ناطقة بالحق وبالصدق، فهي معلّم حياتي، وبرنامج عمل، ومنهاج هداية، وشريعة عدل، وطريق رشاد، وقوانين قيادة، وسعادة، ونجاة.. هي إعمار للكون برمّته، ودستور للإنسان في الأساسيات من احتياجاته. إن القرآن الكريم خطاب أزلي صالح لكلّ زمان ومكان، وإن في آياته مفاتيح لكنوز العلوم والنظريات في كلّ مجال، بل إن التاريخ في القرآن الكريم موظف للحياة، لقد ارتحل شخوصه من مسرحه، ولكن أحداثه ما تزال حيّة تتفاعل فيه بأشكال مختلفة، ففي قصص الماضين دروس ومواعظ وعِبَر جمّة تغني عن تجشّم عناء التجربة. وقديماً قال العقلاء: (من جرّب المُجرَّب حلت به الندامة) فتاريخ القرآن الكريم مناهج، وسنن، وقوانين جارية مجرى الليل والنهار، والشمس والقمر، فهو حياة معمّرة، وليس في كتاب الله (كتاب الحياة) شيء ترفي البتة، فكل آياته ذكرى، وهداية، وعمل، وتقدير عالٍ لمصالح العباد وازدهار البلاد، هو كتاب حياتي بامتياز؛ لأنه يقدّم النموذج والمثال والأسوّة، ويسوقها مقارنة بالضد النوعي (والضد يظهر حسنة الضد). حتى حديثه عن الشرك والكفر والضلال والنفاق هو في الصلب من الحياة التي يحاول الجفاة المعرضون المشيحون بوجوههم عن الحق في كلّ وقت ومكان أن يقودوها إلى هواهم، ووفقاً لأطماعهم، وطبقاً لأوهامهم وأباطيلهم، ولذلك كان من أبرز التجليات الحياتية في القرآن العظيم أنه يحدّثك عن الحياة على نحو المقابلة، أي بشقيها أو بعديها: السالب والموجب: عن الإيمان والكفر، والخير والشر، والعدل والظلم، والعلم والجهل، والصدق والنفاق، والبذل والبخل، والاستقامة والانحراف، والعمل والتخلف. والكل على يقين إن تخويفات القرآن الكريم ليست تجميداً للطاقات، أو إصابة للحياة بالشلل، هي بواعث تحريك وتنشيط باتجاه العمل الجاد المثمر، ومحاربة للفساد والمنكر، وبتعبير آخر: هي انقياد للحياة الكريمة وليست مما يربك سيرها الفعّال، أو يعطّل برامجها الخلّاقة. وكذلك آيات الموت في القرآن فهي للحياة، فليس ثمة انقطاع، هي حلقات موصولة، عبور من قنطرة ضيّقة إلى فضاء فسيح، ولذلك قيل: (ما أقرب الحياة من الموت) ألا ترى معنا أن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "..من ارتقب الموت سارع في الخيرات"(1)، يعني أن الموت هو أحد منشّطات الحياة، ولا يخفى بعد ذلك أن المراد بالحكمة في قوله تعالى: (..وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)/ (النساء:113)، وقوله: (..وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)/ (الجمعة:2)، هو الحكمة في الحياة. فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) معلّم بخطين متوازيين: معلّم للكتاب (كنظريّة)، ومعلم للحكمة (كتطبيق حياتي)، ولهذا قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن القرآن: "..وهو الدليل يدلّ على السبيل، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل..".(2) لذلك علينا أن نضع في ضمن أولويّات حياتنا الاهتمام بالقرآن المجيد، وأن نستوحي التطبيقات الحياتيّة من نبع الحياة النابضة في كتاب الحياة الأول، فدليل الإنسان في القرآن ودليل الإسلام في القرآن ودليل العقيدة والإيمان والشريعة والتربيّة والأخلاق والآداب والقضاء والطبيعة في القرآن. فيا أيّها الإنسان القرآن رسالة الله (عزّ وجل)الخالق الرازق إليك الذي يبيّن لك ماذا عليك وماذا لك، فإياك إياك أن تخرج من الدنيا وأنت جاهل بهذه الرسالة التي هي سبيل النجاح والفلاح، وهي الطريق المضمون لنيل رضا الله تعالى والفوز بجنّته والمصير إلى دار كرامته والعيش في مستقرّ رحمته. ............................. (1) ميزان الحكمة: ج2، ص1565. (2) ميزان الحكمة: ج3، ص2516.