رياض الزهراء العدد 92 أين أنت من هذا؟
الكُنيَةُ الحَسَنَةُ مِن حَقِّكَ يَا وَلَدِي
لقد تكفّل الدستور الإلهي المقدّس والسنّة الشريفة من أحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) بكلّ ما يصلح الإنسانيّة وينظّم شؤونها ويضمن للإنسان المسلم سعادته واستقراره يحثه على أمور ترسم له الوجهة الصحيحة التي إن سلكت ارتقت بسالكها إلى أرقى مدارج العزّة والكمال وإن أخطئت أردت بمن عدل عنها إلى مهاوي التعاسة والشقاء، ومن هذه الأمور السنن والآداب التي ندب إليها الشارع المقدّس والتي تُساعد على تنشئة مجتمع متوازن معتدل في سلوكياته وتصرفاته، وتشيع بين أفراد المجتمع الإسلامي حالة من السلام والوئام الداخلي والخارجي. وبما أن الطفل هو النواة الأولى لتكوين الجيل فقد ورد في الكثير من النصوص الشرعية ما يحث على الاهتمام به ومراعاته من قبل الوالدين وغيرهما، وعلى تعزيز شخصيته، ويُساهم في زرع الثقة بنفسه عن طريق عدّة أمور ابتداء من ساعته الأولى إلى أن يبلغ أشده ويتمكن من إدارة شؤونه بنفسه، ومن ذلك حقوقه على والده كحق التسمية الحسنة والتكنية الحسنة، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: "إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم"(1) والكنية هي ما يُصدّر بأب أو أم مثل: (أبو الحسن) و(أبو محمد) و(أم الخير)، ويعلّل الإمام (عليه السلام) ذلك الاستحباب بقوله: "مخافة النبز أن يلحق بهم" والنبز: هو التعاير والتداعي بالألقاب القبيحة، فعندما يشتبه الاسم بالاشتراك يستعمل الناس الألقاب الرديئة لتمييزه عن غيره، فيصفونه بالأسود مثلاً أو القصير أو الطويل أو أمثالها؛ لذا فقد ورد النهي عن ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى: (..وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ..)/ (الحجرات:11) ولهذا السبب نجد أن لكلّ إمام من الأئمة المعصومين كنيته ولقبه الخاص، وقد يشترك أكثر من إمام بلقب أو كنية معينة لما لذلك من أهميّة في بناء شخصيّة الإنسان وسمة لتكامل ذاته. ونحن نعلم أن الصبيّ يشعر في أيام صباه بحالة من الضعف والتبعيّة والانقياد للآخر وفقدان الثقة بنفسه، وأنه لا يملك القدرة على اختيار القرار أو تلبية متطلباته لقصور عقله وإدراكاته، ولكي يتمم المولى الحق ذلك النقص الحاصل فيه ويدعم شخصيته حث على هذه الأمور عن طريق سفرائه إلى خلقه، فعندما ينادى الصبيّ أو الصبيّة بالكنية الحسنة واللقب الحسن فإنه سيشعر وقتذاك بأهميّته وأن له شاناً عند والديه وفي المجتمع، بخلاف ما إذا نودي بلقب قبيح كقرقور مثلاً، فإن ذلك مدعاة إلى الاستهزاء به وازدرائه والتقليل من شأنه وتسقيطه في عيون الآخرين مما ينعكس سلباً على نفسيّته فينشأ إنساناً معقداً ناقماً على غيره حقوداً ظالماً لا يرعوي عن ارتكاب المآثم؛ لأنه سيكون كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق(عليه السلام): "ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلّة وجدها في نفسه"(2)، وهي ما تُسمّى بالمصطلح الحديث عقدة النقص أو الحقارة، ومنشؤها التنكيل بالإنسان وازدراؤه أمام الآخرين في صغره أو كبره. واليوم نجد مع الأسف أن الكثير أهمل هذه الآداب، وأغفل سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فكلّ ما فيها هو صلاح للإنسان ومقوم لنفسيّته. فما أحوجنا اليوم إلى العودة إلى سنّة ذلك النبيّ العظيم (صلى الله عليه وآله) وآل بيته الكرام، والانتهال من معينهم والاستشفاء من أدوائنا بدواء أولئك الأطباء، وما أحرى بنا أن نكون خير أتباع لخير رسالة سماويّة خاتمة، فأين نحن من ذلك؟! .................................. (1) وسائل الشيعة: ج15، ص129. (2) الوافي: ج5، ص869.