طرِيقُ الحقِّ
لماذا الاهتمام بالمستبصرين؟ كثيراً ما يرد هذا السؤال إلى العقل الباطني. ويمكن لنا الجواب عن ذلك بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إذ قال مخاطباً الإمام علي(عليه السلام): "..فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم..".(1) فهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أهميّة هداية الآخرين وإيصال الحق إليهم، وهذا علم النفس يشرح لنا أسباب التأثير الملاحظ لهؤلاء في نفوس الناس؛ وذلك لأن كتب المستبصرين وحكاياتهم وتراجمهم قد جمعت بين القصّة والدليل، والمخاطب يكون متعطشاً لسماع قصة من ترك معتقداته السابقة وتمسّك بمعتقدات غيره وأسباب ذلك، كما أن هؤلاء المستبصرين هم ممن شملتهم العناية الربانيّة. حيث أغدق عليهم الباري (عزّ وجل)من لطفه الوافر، فعرّفهم طريق الحقّ ووفقّهم لاتباعه. والجدير بالملاحظة أن هذا الطريق يحوي تجارب أناس بحثوا في الموروث، وغربلوه، فتمسّكوا بالصافي منه، وأعطوا المغشوش منه ظهورهم، وهذا هو المصداق البارز والحيّ في تفهم بعضّنا (السنّة أو الشيعة) الآخر فيما اختلفنا فيه، ومن ثمّ يقبل ما وافق الدليل منه ويترك ما خالفه، فإليكم إحدى هذه التجارب الشخصيّة على هذا الطريق, وهي تجربة الحاجّة سميرة القيسي. ما هي قصة استبصارك؟ الاستبصار رحمة إلهية ترعى كلّ من يبحث أو تبحث عن الحقيقة بلا تعصب أو تزمت. فكلّنا يجب أن يتقبل الحقيقة إن عرفها متجاوزاً التراث والفكر الموروث إن كانت الحقيقة أفضل منه وأقرب من الحق. قصة استبصاري دامت سنتين من الحوار الجاد باحثة عن الحقيقة، حيث كنت غير مطلعة على تفاصيل الفوارق بين المذاهب، بل غير مطّلعة على تفاصيل مذهبي أو تفاصيل الدين عموماً، فقد كنت أحفظ أفكاراً موروثة عن طريق البيئة الأسريّة والاجتماعيّة التي تخلو من المنتمين إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، وكنت مشبّعة بأفكار غير علميّة ومنها إطلاق اسم الفرس المجوس على الإيرانيين من دون وعي وإدراك. وفي إحدى مقالاتي كتبت عبارة الفرس المجوس فجاء الرد من أحد الأساتذة الخبير بالعقائد والمذاهب والتاريخ والسياسة وقال: إن مشكلتك إن كانت مع الحكومة فقولي: حكومة إيران كذا وكذا، أمّا الشعب الإيراني فهو ينتمي إلى إيران ولم نسمع أنه يفتخر بفارسيته أو يُسمّي وطنه بالفارسي، وهو شعب مسلم وليس مجوسيّاً، ففيه شيعة وسنّة آمنوا منذ سنة 17 هجرية، فاقتنعت بكلامه ورأيت في أفكاره الأخرى أنها أفكار توحديّة. أما موضوع التقيّة فيقول عنه: إنه يجب احترام مقدّسات الآخرين وعدم الطعن بها بل ينبغي نقدها بأسلوب علمي. وأقوى كلمات أثرت في نفسي هي قول آية الله العظمى السيستاني (دام ظله): أنتم لستم إخواننا بل أنتم أنفسنا، هذه الكلمة غيّرت الكثير من تصوراتي حول الشيعة وحول التشيع. من كان له التأثير الأكبر في اتخاذك قرار الاستبصار؟ الانتقال من واقع إلى آخر أو من انتماء إلى آخر أو من مذهب إلى آخر يتطلب كسر حالة الأنس مع القديم والانفتاح على الجديد، فقد كسرت الأنس مع مذهبي القديم واطلّعت على المذهب الجديد مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، حيث اقتنعت بما اطلّعت عليه من عقائد، ولكن كنت محتاجة إلى نقلة كاملة وتحقّقت النقلة بشفاء ولدي تحت قبة الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) . كيف كانت ردّة فعل عائلتك في هذا الموضوع؟ لم أخبرهم حتى هذا اليوم، ولا أتوقع منهم معارضتي؛ لأنهم غير متعصبين ويرون أن كلّ المذاهب طرق إلى الله تعالى ومبرئة للذمة مادام المسلم مقتنعاً بها ومادام مراعياً لحقوق الله التي تعلمها وحقوق الناس، ومن أفكارهم أنهم يفضلون الإمام عليّاً (عليه السلام) على غيره باعتباره أعلم من الآخرين، وهي أهم صفة في الخليفة، وأنهم يحبون أهل البيت(عليهم السلام) ويزورونهم وينذرون لله عندهم. .................................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج3، ص10.