أنتَ الشاهدُ أيُُّها البابُ!

صادق مهدي حسن/ ناحية الكفل
عدد المشاهدات : 162

في زقاق من أزقّة تلك المدينة.. كان يمشي مثقلاً وئيد الخطى.. واجماً قد تلبّد محيّاه بغمامة أتراحٍ حجبت كلّ إشعاعات البِشْرِ والمسرة عن قسماته.. وأذبلت حرقة الدمع جفنيه، فلا يكاد يبصر من هول ما يعتصر شغافه من فظيع الأسى.. ومع نشيجه المهيب وقف قُرب المسجد العظيم.. أمام بابٍ لبيت من (بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..)/ (النور:36). أتذكر أيّها الباب؟!.. أتذكر يداً لرحمة العالمين (صلى الله عليه وآله) تحنو طارقة مستأذنة على أمّ أبيها؟! أتذكره.. شهوراً عند إطلالة الفجر بآية التطهير ينادي؟! أأبصرت أبا حسن، وحسامه؟! تسمع جيداً، فما يزال الصدى: أَفَاطمُ هَاكِ السَّيفَ غيرَ ذَميمِ فلستُ بِرِعْدِيدٍ ولا بِلَئِيمِ أتذكرها تطحن بالرحى قوتها، تزهر لأهل السماء في محرابها، تدعو للجار قبل أهلها، ترتل الآيات شاكرة نعماء ربها؟! أتذكر رياحيناً لحيدرةٍ وبضعة أحمد.. يبش لها النبيّ ولهاً وحباً.. فذي زينب، وذا حسن، وهذا حُسين؟! (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)/ (آل عمران:34)، أتذكر (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)/ (الإنسان:8) وقفوا على أعتابك بعزَّة المؤمنين؟! سألوا الغوث، فجاد من وفوا بنذرهم بأرغفةٍ.. أعظمها الله بذكره مبجلاً، فجاء جبرائيل مغرِّدَاً بسورة (هَلْ أَتَى)، ذلك الفضل العظيم! أأصغيت للأملاك تفاخر بعضها، (إنّا خدَمٌ للصفوة الأطهرين)؟! نعم أيها الباب.. تلك بعض آلاء ربك الكبرى، فلا تنسها وكن من الشاكرين.. وهنا هبّت أعاصير زفراته.. وتفجرت براكين عتابه مع ذلك الباب المتوّج بالعلياء والسؤدد: ولكن آهٍ.. آهٍ.. أيّها الباب.. أين بأسك إذ قال المرجفون (وإنْ.. وإنْ)؟ ألم تغضب حين أظهروا دفين غلّهم؟! ألا كنت سداً دون غيهم؟! ألا كنت طوداً يهوي على ضلال فتنتهم؟! (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)/ (التوبة: 49). الله أكبر الله أكبر – أذان المغرب – (كبّرت كبيراً لا يُقاس وعظيماً لا تدركه الحواس).. سأصلّي أيّها الباب وأتلو بتهجدٍ تسبيح مولاتي.. سأصلي وأدعو: يا فاطر بحق فاطمة (اللَّهُمَّ العنْ أوّلَ ظالمٍ ظلمَ حقَّ مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ وآخر تابعٍ لهُ على ذلك..). لا تلمني أيها الباب (فإن الصدور حرّى).. لا تلمني، فما زال الرماد على أعتابك يروي ويروي أقاصيص الألم.. يروي حكاية الظلم البغيض.. يروي هجوم النار ونار أحقاد الجاهليّة الرعناء.. ويروي نبأ الغدر بميثاق الغدير.. وهذا صدى الكوثر الطهر عندك: (أيا فضة سنديني).. ألم تسمع شجي ندبتها.. فجيع نواحها.. مرير أنينها؟! ألم ترَ (مُحسناً) كيف انبرى عن الدين مدافعاً؟! شهيداً هوى بأحضان المصطفى.. وشاهداً على استبداد من طغى! السلام على أصغر برعمٍ في قافلة المظلومين.. عجباً.. عجباً.. أيّها الباب.. أتراك صبرت صبر عليّ.. أم توسّمت حلم محمد؟! ومضى لصلاته متمتماً: أنت الشاهد أيها الباب.. أنت الشاهد يا باب الزهراء!