رياض الزهراء العدد 92 لحياة أفضل
سَعادَتُهُم_هل حبّ الأولاد لأبويهم غريزة أو هو مكتسب؟
كثيراً ما كنّا نسمع أن حبّ الوالدين لأولادهم غريزة، إلّا أنّ حبّ الأولاد للوالدين مكتسب، أي إنَّ حبّ الأولاد لأبويهم - برأي البعض ـ مرهونٌ بتعامل الوالدين، فإن أحسنا مع أولادهما أحسن أولادهما معهما، وإن أساءا مع أولادهما أساء أولادهما معهما؛ وهذا ما جعل بعض الأولاد يلهجون بهذه العبارة ويجعلونها ذريعةً لعقوقهم لأبويهم؛ حتى وصل عقوق بعض الأبناء - والعياذ بالله - إلى حدٍ يعقّون والديهم فيه لا لأنهما برأيهم يُسيئان لهم بشخصهم؛ بل لأنهم بحسب رأيهم يسيئان لزوجاتهم أو لأولادهم.. وذريعتهم كما أسلفنا هي (حبّ الأولاد لوالديهم مكتسب)، إلّا أنه بحقيقة المعنى وصراحة القول أن حبّهم لوالديهم غير مكتسب، بل هو فطرة يولدون عليها كما يولدون على الإيمان، وطبعاً هذا المعنى لم نأخذه من فيلسوفٍ أو خبيرٍ نفساني قد يخطئ أو يُصيب في الرأي، بل أخذناه من القرآن الكريم الذي هو كلام الله (عزّ وجل)إذ إنَّ القرآن الكريم هو من بيّن ذلك بعدّة معانٍ: المعنى الأول: إنّ حبّ الأولاد لوالديهم دافعٌ (تكويني) بدلالة قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا..)/ (الأحقاف:15)، فهذه الوصية الخاصة بالإنسان في الآية تدل على أنها حصلت في عالم الذر قبل الدنيا؛ إذ إن الوصية توحي إلى القرب بين الموصِي والموصَى المشرفيْن على الابتعاد، وإن القرب هو عالم الذر، والابتعاد المشرفيْن عليه هو الدنيا، كما أن الله تعالى قال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..)/ (الإسراء:23)، فثبت أن البر بالوالدين دافعٌ تكويني فطري، وعلى الإنسان أن لا يخالف فطرته مهما كانت الظروف. المعنى الثاني: إنّ البر بالوالدين دافع (إنساني) بدلالة الآية السابقة: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا..) فإن الله تعالى لم يقل: (ووصينا المسلم أو المؤمن بالله تعالى)، بل قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ) ليتضح أنّ البر بالوالدين دافعٌ إنساني مطلق، فكلّ إنسان سويّ يجب أنْ تدفعهُ إنسانيّته إلى برّ والديه مهما كان دينهُ ومعتقده وظرفه. المعنى الثالث: إن البر بالوالدين أمرٌ عقلاني.. بدلالة قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)/ (الأنعام:151)، فقوله: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) دليلٌ على أنّ بر الوالدين من ضمن الأوامر التي ذكرتها الآية والتي لا ينتهجها إلّا صاحب العقل الواعي من الإنس والجن. إذن عن طريق هذه النقاط الثلاث قد تبيّن أن حبّ الأولاد لوالديهم ليس مكتسباً كما قال البعض بل حبّهم لوالديهم أمر فطري وإنساني وعقلي أيضاً.. فالإنسان الطبيعي هو الذي يبرّ والديه مهما كانت الظروف والأسباب، أمّا الذي يعقهما بسبب أو بغير سبب فهو بلا شكٍ إنسان غير طبيعيٍ.. فإذا كان الله (عزّ وجل)الذي هو خالقهما قد قابل إساءة بعضهم بالإحسان بقوله: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا..)/ (لقمان:15) فهل يجوز بعد ذلك للأولاد ذكوراً وإناثاً أن يعقوا والديهم اللذين هما سبب بوجودهم؟.. طبعاً الجواب هو: كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا (عليه السلام): "من لم يشكر المنعم من المخلوقين، لم يشكر الله(عزّ وجل)".(1) ....................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج6، ص30.