رياض الزهراء العدد 78 مناهل ثقافية
شَيبَةُ الحَمد
منذ نشأته وبداية حياته تجلّت فيه جميع صفات الأسرة العربية العريقة، من تقوى، وكرم، ونبل، وشرف، فكثير من الأقاويل تناقلت عنه، لكنها زائلة وباطلة، قد تلاشت بمجرد أن أبصر نور الشمس، فكان على دين جدّه النبيّ إبراهيم (عليه السلام)، وكان مؤمناً يعبد الله (عزّ وجل) ولا يعبد الأصنام كما فعل قومه، فتميّز بجوده وخدمته لحجّاج بيت الله الحرام حينما يأتون في موسم الحج، حيث كان يعمل على سقايتهم وهو يتحمّل كثيراً من التعب والمشقة من دون مُقابل، فجدّ المُصطفى (صلى الله عليه وآله)هو فخرٌ للعرب، فكانت كلّ أفعاله تدلّ على أنهُ كذلك، ويكفينا شرفاً أنه مَن قام بإعادة حفر بئر زمزم من جديد، فأعاد الحياة لأهل مكة برؤيا صادقة قد رآها تتكرر لثلاث ليال، فلم يذكر رؤياه لأحد خوفاً من سخرية قومه منه، فكان عبد المطلب (عليه السلام) يفي بوعوده ونذوره أسوة بجدّه النبيّ إبراهيم (عليه السلام)، فنذر لله تعالى إن رزقه بعشرة أولاد أن يذبح أحدهم عند الكعبة، وحينما رزقه الله تعالى وقعت القرعة على عبد الله، وهو أبو النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وكان أحبّ أولاده إليه، فمنعوه قومه لكنه أبى ذلك؛ لإصراره على إيفاء النذر، وأشاروا عليه أن يفديه ففداه بمائة ناقة بين الصفا والمروة، عاش جدّ الرسول (صلى الله عليه وآله) حياة يُقتدى بها، فربّى أولاده تربية صالحة، وهذا ما أكمله بتربية النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) فقدّمه على أولاده وأحفاده، وتولى بنفسه خدمته وهو يعلم بعظمة مكانته عند الله تعالى، فنشأ تحت رعايته لثماني سنوات، وحينما علِم بدنو أجله أوصى إلى ابنه أبي طالب كي يرعى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) من بعده، ولم يطمئن قلبه إلّا بأخذ العهد منه برعايته، وقابل الرفيق الأعلى في العاشر من شهر ربيع الأول، وقد ترك أخلاقاً طيبة تناقلت بين الناس، ليحمدوه ويثنوه عليها، حيث لُقّب في شيخوخته بشيبة الحمد.