رياض الزهراء العدد 92 لحياة أفضل
مُشكِلَةٌ وَحَلٌّ فِي ظِلِّ التَّربِيَة_القدوة للأبناء
إن خبراء التربية يعتقدون: أن الطفل يتعلّم الخير والشر عن طريق أبويه أكثر من أي طريق آخر؛ لأنهم فطروا على محبة الوالدين، فهم يقلدونهم في كلّ حركاتهم وأخلاقهم ودينهم، وهم يقضون جلّ حياتهم معهم (أي ما يقرب من 95 ألف ساعة). فالطفل يُولد على الفطرة والوجدان الأخلاقي فيدفعه إلى الخير ويمنعه عن الشر، وهذا الوجدان يظل منطقة مفتوحة يتعرض فيها للاكتساب من العالم الخارجي الخير والشر. فمسؤوليّة الوالدين تجاه الأبناء مسؤوليّة ضخمة لتحملّهم الواجب التربوي، وهو واجب لا يقتصر على الإرشاد والتوجيه وإنما يشمل السلوك العملي فهو أفضل نصيحة بليغة يقدّمها الآباء لأبنائهم على جميع المستويات، وهو ينسجم مع النفس الإنسانيّة التي تبحث دائماً عن القدوة في عملها، والله وضع للناس قبل أن يخلقهم قدوات، وأرسل الرسالات السماوية فأرسل 124 ألف نبيّ مع أوصيائهم، وهؤلاء الأنبياء جاؤوا ليكونوا شاهدين على الناس؛ لأخلاقهم وسيرتهم العطرة فهم يترجمون الدين والقيم بسلوكهم اليومي وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...)/ (الأحزاب:21)، فالمربّي حينما يمتدح شخصاً أمام الطفل يصبح له مثالاً يقتدي به في حياته، فإذا سمع أبويه وهما يمدحان العالم الديني فإنه سيحب علماء الدين ويسعى كي يكون مثلهم في كبره، وبالعكس إذا سمعهما يبديان كلمة الإعجاب إزاء جرأة اللص في الاستيلاء على صندوق المصرف في وضح النهار فلا ريب أنه يكون توّاقاً إلى الاقتداء بهذا اللص بسبب ما سمعه من عبارات الإعجاب من والديه. يُحكى أن أمّاً كانت تلاعب طفلها وتراقبه وتمازحه وفي الأثناء بدا لها أن تتّصل بزوجها في العمل فرفعت سماعة الهاتف وتكلّمت معه وأرادت من طفلها أن يكلّمه وعندما انتهى الطفل من الحديث مع أبيه أغلق السمّاعة، وفوجئت الأم بتصرفٍ غريب من الطفل حين بصق على الهاتف وشتم أباه، وعندما سألته الأم عن السبب قال: إني شاهدت أبي في بعض الأوقات يتكلّم في الهاتف ويغلق السمّاعة ويفعل الشيء ذاته. ومن هنا كان الحذر ضرورياً بالنسبة إلى الآباء حينما يقومون بأي سلوك أمام أطفالهم؛ لأن غريزة التقليد موجودة لديهم، فالسلوك هو الوسيلة الخارجيّة للتعلّم والاكتساب من الحياة، وبالتقليد يستطيع الطفل أن يتكلّم ويمشي ويعمل أي عمل آخر. وعلى المربّي أن لا يهمل تثقيف الضمير عند الطفل وتلقينه المبادئ والأخلاق السامية، وأن يعمد للقيام بالأعمال الصالحة أمامه كسائر العبادات، والإحسان إلى الغير، واحترام المبادئ ورفض الأخطاء؛ لأنها من الأعمال البالغة التأثير في نفسه. كما ينبغي على المربّي أن يحجبه عن الأعمال السّيّئة وغير السّيّئة التي قد يفهمها خطأ بسبب قصور إدراكه الذهني، فيقوم بالتقليد من دون وعي أو إدراك، فالطفل الذي يرى أبويه يصليان ويقومان بالأعمال الصالحة والخلق الطيب مع الأسرة والمجتمع لاشك سوف يحبّ هذه الأعمال بشكل طبيعي وتدريجي، وسوف تترسخ في ذهنه ويتعلّق بها ولا يحتاج إلى الإقناع عند كِبره، وإنما يشب الطفل على هذا الأمر ويكون متمسكاً به، وعند بلوغ سن التكليف لا يحتاج المربّي إلى إقناعه بالصلاة، وهكذا سائر الأمور العباديّة. وقد ورد حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) وهو: "يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين".(1) ويظهر مما تقدّم أن كلّ إنسان لابدّ له من قدوة وأسوة حسنة، والأسوة الكاملة هو الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) . فالمربّي الذي يجعل قدوته رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت(عليهم السلام) سوف تعكس هذه الصورة على أبنائه وهم بدورهم يقتدون بآثار الوالدين، وبذلك يكون الآباء قد أدّوا الرسالة الملقاة عليهم عن طريق التربية الصالحة. ............................... (1) الوسائل: ج15، ص194.