فاطِمةُ الزهراءُ(عليها السلام) نبعٌ لا يَنْضبُ

هناء باقر الخفاجي/ ذي قار
عدد المشاهدات : 330

في إحدى الليالي الفاطميّة دعتني صديقتي لحضور مجلس عزاء السّيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وعندما دخلت وجدت بيتها مليئاً بالنساء والأطفال بانتظار قدوم (الملا). قامت صديقتي بتوزيع أكياس صغيرة من النايلون على الحاضرات، فيها علبة عصير وقطع من الحلوى، وبعد وقت قصير وصلت (الملا). كان لها هيبة علويّة، متوسطة العمر، نورانية الوجه، يكمن حزنها في صوتها. وما إن ارتقت المنبر حتى عم المكان هدوء تامّ. افتتحت المجلس بالصلاة على محمد وآل محمد ثم قرأت آية: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)/ (الشورى:23)، بعدها تناولت مقتطفات من السيرة العطرة لحياة السّيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) . على الرغم من أنها قصّة في سطور لكنها كانت مؤثّرة جداً جعلت أبصار النسوة شاخصة إلى الخطيبة وهن يصغين بانتباه لكلّ ما تقول، اختتمت المجلس بالعروج على واقعة الطف وما جرى على الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) وصبر السيّدة زينب(عليها السلام) حتى ضجّ المجلس بالصراخ والبكاء وكأن الأحداث تجري أمامهن. وبعد انتهاء المجلس. سألتُ بعضَ النسوة: ما هي الاستفادة من المجالس الحسينيّة؟ الملا أم جاسم حدّثتنا عن مدى ضرورة إقامة مجالس العزاء للنبيّ وآل بيته صلوات الله عليهم فالأساس في إقامة المجالس ليس للبكاء واللطم فقط مع أنها جزء من المجلس، فالإمام الحسين (عليه السلام) عِبرة وعَبرة لكنها أيضاً تمثل الغذاء الروحي والمعنوي وتعلّمنا دروساً من حياتهم بخاصة حياة السّيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، فهي مليئة بالقيم والمبادئ والأخلاق والمثل العليا، إنها سيّدة نساء العالمين وعلى النساء الاقتداء بها في حياتهن خصوصاً بتربية الأولاد ومعاملة الزوج والأهل والناس، والالتزام بالعبادة وأمور كثيرة وعلى الرغم من قصر حياتها فإنها كانت وما تزال مدرسة لعلوم الحياة كافة مشيرة إلى أنه على المبلغات أن يوصلن رسالة أهل البيت(عليهم السلام) إلى محبيهم بصورة مفهومه وواضحة ومبسطة حتى يسهل العمل بها. أم محمد صاحبة المجلس قالت: تعلمنا من مجالس السّيّدة الزهراء وأولادها(عليهم السلام) الكثير من دروس الحياة التي كنّا نجهلها، فعندما فقدت والدتها السّيّدة خديجة(عليها السلام) وهي ما تزال طفلة صغيرة أصبحت ملازمة لأبيها النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) وتحمّلت مسؤوليّة الاهتمام به، ولقربها منه وتعلقه بها كنّاها بأم أبيها وقال عنها: "فاطمة قلبي وروحي الّتي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني"(1)، وعندما تزوجت بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت مثالاً للزوجة الصالحة الوفيّة لزوجها التي تشاركه في الحياة بكلّ تفاصيلها ولابدّ لنا كمسلمات من أن نقتبس من حياتها المباركة لتطبيقها في حياتنا اليومية، فهي مع كلّ المحن التي مرّت بها لم تترك عبادتها بل كانت حياتها كلّها عبادة وتبتّلاً فضلاً عن كونها تعلم النساء تعاليم دينها من أحكام العبادات وقراءة القرآن؛ لأنها العالمة بأمور دينها ودنياها. أم علاء كانت تبكي وهي تجيب عن أسئلتي تقول: السّيّدة فاطمة(عليها السلام) هي سيّدة نساء العالمين وبنت نبيّ الأمة (صلى الله عليه وآله) وزوجة أمير المؤمنين (عليه السلام) وخليفة المسلمين ومع ذلك كانت تعيش حياة البساطة والزهد والتواضع وتعمل في بيتها كأي امرأة عاديّة بسيطة مع مشقّة العمل في ذلك الزمان مقارنة بزماننا. إذ تنقل الروايات أنها كانت تطحن بالرحى حتى مُجلت يداها وتكنس البيت حتى اغبرت ثيابها وتوقد النار تحت القدر. حتى دكنت ثيابها، زيادة على تربية أولادها الإمامين الحسن والحسين والسيّدة زينب الكبرى وأم كلثوم(عليهم السلام) ، فقد أنشأتهم على العفاف والتقوى والزهد والورع فكانوا سادة العباد، وكان المفترض أن تخدمها نساء الدنيا فهي سيّدة نساء العالمين لكنها أرادت أن توصل إلينا رسالة بأن عمل المرأة داخل بيتها لا يقلل من شانها، بل إنّه يزيد من احترامها وتقديرها ومحبّتها بين أفراد أسرتها. أم كرار قالت: من أشد ما يؤلم نفوسنا ويدمي قلوبنا هو مظلوميّة السيّدة الزهراء(عليها السلام)، والحديث ذو شجون، ففي حياة والدها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) كانت تنعم بالأمن والاستقرار والعز والإجلال ولكن بعد وفاته تكالبت عليها المحن، ومرّت بأسوأ الظروف، وتعرّضت لكثير من المصائب، وظلت تعاني من تراكم الهموم حتى وفاتها وهي في ريعان شبابها. سألتُ أم حسين ماذا تعلّمتِ من حياة الزهراء(عليها السلام) ؟ تعلّمت كيف أحافظ على حجابي وعفّتي في أصعب المواقف، فالسّيّدة الزهراء(عليها السلام) عندما اضطرّتها الظروف إلى الخروج من بيتها والمطالبة بحقّها خرجت بكامل حجابها وعفّتها، علّمتنا السّيّدة الزهراء(عليها السلام) أن الحجاب ليس مجرد قطعة قماش يلّف به الرأس أو البدن، إنما هو مجموعة من الأخلاق والحياء والأدب مع ارتداء الملابس المحتشمة. إحدى الفتيات الصغيرات قالت: إن المبلّغة أو الملا علّمتها أن ترتدي الجوارب عند خروجها من البيت وحضور المجالس، كما طلبت من النساء عدم ارتداء الحلي الذهبيّة وإكسسوارات الزينة، ومنعت كلّ أنواع التبرّج عند حضور مجالس عزاء أهل البيت(عليهم السلام) ، وأخبرتهن أنه يجب ارتداء الملابس التي تدل على الحزن وعظم المصيبة. نور الهدى قرأت الآية: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)/ (الإنسان:8)، أهل البيت(عليهم السلام) هم ملوك الدنيا وقادتها لكنهم فضّلوا حياة البساطة والزهد والتواضع ليكونوا بالقرب من الفقراء والمحتاجين، والسّيّدة الزهراء(عليها السلام) كانت تتسابق إلى فعل الخيرات، ولا تستأثر بشيء من الأموال لنفسها حتى ثوب زفافها تصدّقت به لعروس فقيرة، والروايات معروفة وتشهد لها بذلك. سيرة حياة السّيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) حافلة بالمواقف المشرّفة، والمعاني الإنسانيّة والحقائق الإيمانيّة، كانت بحق المثل الأعلى في علو الهمّة، والإيثار، والأخلاق السامية، وقد وهبت وقتها للعلم، والدين والعمل، والجهاد، كما اتصفت بالشجاعة الأدبيّة، وسحر البيان، والفصاحة والبلاغة، وخطبتها المشهورة خير دليل على ثقافتها الواسعة، ومكانتها الرفيعة، فكانت بحقّ سيّدة الإبداع من دون منازع ومهما كتبت الأقلام وتحدثت الكتب فإنها لا تفي السّيّدة الزهراء(عليها السلام) حقّها، وستظل السّيّدة الزهراء(عليها السلام) على مرّ الأزمان نبراساً يُنير لنا متاهات الحياة، وسنبقى نستلهم منها الدروس والعِبَر في كلّ مجالات حياتنا. ................................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج1، ص251.