رياض الزهراء العدد 78 منكم وإليكم
وتَحقَّقَتْ دَعوَةُ الشَّهيد
بعد أن وُليّ الحجاج على العراق من قبل عبد الملك بن مروان، ساد الظلم والاستبداد، ووقعت هناك أحداث قصة تمحورت حول ظلم الطغاة في لحظات سبات العقل السليم وصحوته بعد فوات الأوان، من وسط نسيج أصوات المعذَّبين في قعر السجون، ومعاناة الناس من سياسات القمع وتكميم الأفواه المتبعة، ظهرت أصوات مدوية رفضت هذا الواقع بكلّ جرأة، فكان أحدها صوت الشهيد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، المكنّى بأبي عبد الله، وقيل (أبو محمد)، كان والده راوياً للحديث، وأمّه معروفة من بني كليب بن وبرة مشهورة بأم الدهماء، كان حافظاً ومقرئاً للقران ومفسراً له، وكان من كبار التابعين، حبشيَّ الأصل، عربيَّ النشأة، صحب حبر الأمة ابن عباس وائتم بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، فكان عابداً زاهداً لا يخشى في الله لومة لائم، ولم يسكت على ظلم الحجاج وهو يرى الدماء تُسفك، وآلاف الناس تُزجّ في السجون، فكان من الطبيعي أن يرفض هذا الواقع، إذ خرج مع عبد الله بن الأشعث في ثورته على بني أمية، بعدها أُلقي القبض عليه من قبل الحجاج وكانت له محاورة معه، وفي كلّ مرة يردّ عليه سعيد بكلمات من القرآن، فيستشيظ الطاغية غضباً من جرأته، وفي نهاية المحاورة قال له اللعين: اختر أيّ قتلة شئت؟ فقال سعيد: اختر أنت لنفسك، فإنّ القصاص أمامك، عند ذلك أمر الحجاج بقطع رأسه، فتشهد سعيد الشهادة، وقال للحجاج: خذها مني حتى تلتقي بي يوم القيامة، ثم قال: اللهم لا تسلّطه على أحد ليقتله بعدي. ثم ذُبح على النطع وسقط رأسه يتدحرج وهو يهلّل، ولم يزل كذلك حتى أسكته اللعين برجله، استُشهد في (25) شهر ربيع الأول سنة (95) للهجرة، ودُفن في قضاء الحي في الكوت، وقبره يُزار، وتحققت دعوة الشهيد، فلم يتسلط الحجاج على أحدٍ بعد قتله. السلام على سعيد بن جبير الذي برز في صفّ المتألهين النُّساك، فعلا اسمه في سماء الشهادة حتى كُتب في سجل الخالدين.