رياض الزهراء العدد 92 منكم وإليكم
المُتسوِّلون
لم أرها تتردّد في إعطاء الصدقة، والحرص على تفقّد من تقابله في الطريق من الفقراء والمساكين، بل تحاول أن لا ترد سائلاً.. فقلت لها: إن هذه مبالغ صغيرة لا تسد رمقاً ولا تطفئ لهيب محتاج ويمكن بدل ذلك تخصيص صندوق في بيتك لجمع هذه الصدقات حتى تصبح مبلغاً يستفيد منه الفقير المحتاج فعلاً. فردّت، بأنّها فكرة جيّدة وسأعمل بها لمساعدة العوائل المتعفّفة، ولكني لن أدع هؤلاء الفقراء والمساكين الذين يفترشون الطرقات يُريقون عليها ماء وجوههم التي أكرمها الله تعالى وجعلها أشرف من الشمس والقمر، فعلينا أن نكرمهم ونرفع شيئاً من معاناتهم. فقلت: هذا صحيح ولكن يجب أن لا نشجع على التسوّل؛ لأنه ضرر على المجتمع وعنوان للانحطاط والتأخر، ولا نغفل أن الإسلام كما حبب إلينا دفع الصدقة ورغّبنا في بذلها وعرّفنا أثرها في النفوس والمجتمعات كذلك نهى عن السؤال من غير حاجة. فقد نهى الرسول (صلى الله عليه وآله) عن التسوّل بأساليب شتّى، فقال (صلى الله عليه وآله): "من استغنى أغناه الله، ومن فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر لا يسد أدناها شيء..".(1) والغريب أن المتسوّل يسأل الناس إلحافاً باسم الدين والنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) ويستشهد بأقوالهم في مدح المتصدّق، ثم يتجاهل ما قالوه في ذم المسألة والسائل! والبعض يسأل الناس باسم الإمام علي (عليه السلام) وهو (عليه السلام) أبى أن ينزل ضيفاً على أحد الأنصار في المدينة يوم الهجرة كما فعل المهاجرون جميعاً، وعمل عند يهودي يسقي بتمرة واحدة عن كلّ دلو! فقالت: إن الإسلام حث على الصدقة وأمر بها ونهى عن رد السائل كلّ هذا لسدّ حاجة مؤقتة لا يمكن سدّها بغير العطف والإحسان، وماذا يصنع المريض الذي لا يجد الآن ثمن الدواء؟ وهل يستطيع الجائع تأجيل جوعه؟ ماذا يصنع هذا المسكين إذا لم يجد المحسن؟ هل ينتظر حتى توجد المشاريع وتخصّص الميزانيات وتتغيّر الأوضاع والقوانين. فأجبتها: لقد صدقت في كلّ ما قلت ودعيني أختم حوارنا بحسرة، فقد نجد من المتسولين في بلد نبيّ الرحمة (صلى الله عليه وآله) ما لا يوجد في أي بلد آخر، هذا البلد الذي يصدر الرفاهيّة للعالم!. .................................... (1)مستدرك سفينة البحار: ج6، ص243.