رياض الزهراء العدد 206 تاج الأصحاء
معجزة الشم وأهمية اختيار العطور
تنوعت نعم الله تعالى وعظيم صنعه في كافة مخلوقاته، وحينما ذكر سبحانه خلْق الإنسان، وصفه بـ(أحسن تقويم)، ولأن صفة التعود تطغى في طبيعة الإنسان، فإنه لا يشعر بمعجزة إيجاده وخلْقه إلا بعد أن يفقد جزءًا من صحته أو حواسه، وقد تفردت حاسة الشم بميزة خاصة، ذلك أن عصب الشم يكون منعزلًا عن باقي الحواس التي تمر بغدة (المهاد ـ thalamus)، وهي كتلة كبيرة في المادة الرمادية في الجزء الظهري للدماغ البيني، وهو جزء من الدماغ وظيفته إعادة بث الإشارات الحسية إلى القشرة الدماغية، وتنظيم الوعي والساعة البيولوجية للنوم والاستيقاظ، ويمتاز العصب الشمي بارتباطه المباشر بالقشرة الدماغية، ومن ثم ارتباطه بالذاكرة والعواطف بشكل أقوى من باقي الحواس، وهذا ما أثبته علماء التشريح والباحثون بأن حاسة الشم هي الحاسة الوحيدة التي تكون فعالة حتى في حالة النوم وفقدان الوعي، فإذا نظرنا إلى ما فوق القرين العلوي رأينا المنطقة الشمية تبلغ (250 ملم2)، في هذه المنطقة تتوزع ألياف العصب الشمي بعد أن تجتاز سقف الأنف عن طريق صفيحة مثقبة كالغربال هي (الصفيحة الغربالية)، وتتوزع هذه الألياف العصبية بحيث يكون لكل خلية شمية (6 ـ 8) أهداب تغطس في سائل مخاطي يعلوها، فإذا وصلت الروائح إلى تلك المنطقة، انحلت في السائل المخاطي أولًا، ثم في المواد التي تحويها تلك الأهداب، وهي من طبيعة دسمة تساعد على حل المواد الكيمياوية، وهكذا نرى أن عملية الشم هي أشبه ما تكون بعملية كيمياوية، بينما طبيعة الصوت تقوم على قواعد فيزيائية، وإذا كان الجو عابقًا برائحة طيبة، فإن الإنسان يشعر بها في الدقائق الثلاث الأولى، ثم تبطل حاسة الشم. نماذج من ذكر الشم في القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة (عليهم السلام): ورد في قوله تعالى: ﴿ولما فصلت الْعير قال أبوهمْ إني لأجد ريح يوسف لوْلا أن تفندون﴾ (يوسف:94)، فعن مفضل الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: "أتدْري ما كان قميص يوسف"؟ قال: قلت:لا، قال: "إن إبْراهيم لما أوْقدوا النار له، أتاه جبْرئيل منْ ثياب الْجنة فألْبسه إياه، فلمْ يضره معه حر ولا برْدٌ، فلما حضر إبْراهيم الْموْت، جعله في تميمةٍ و علقه على إسْحاق، وعلقه إسْحاق على يعْقوب، فلما ولد ليعْقوب يوسف علقه عليْه، وكان في عضده حتى كان منْ أمْره ما كان، فلما أخْرج يوسف الْقميص من التميمة وجد يعْقوب ريحه و هو قوْله :إني لأجد ريح يوسف لوْ لاٰ أنْ تفندون، فهو ذلك الْقميص الذي أنْزل من الْجنة"(1). لقد تكررت عبارة (إني أشم رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله)(2) في حديث الكساء الشريف، فالعطر يحفز الدماغ على معرفة الزمان والمكان والقرائن المتعلقة به، وعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "فاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة، شممت رائحة ابنتي فاطمة"(3). أهمية التعطر في الإسلام وربطه بالزمان والمكان: _ ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الطيب يشد القلب"(4)، وعنه (صلى الله عليه وآله): "منْ تطيب لله تعالى جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الأذفر، ومنْ تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة"(5). _ عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: "صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب"(6). _ عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: "لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم، فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا، فإن لم يقدر ففي كل جمعة ولا يدع"(7)، وهناك أحاديث كثيرة أخرى. ....................................... (1) البرهان في تفسير القرآن :ج3، ص197ـ198. (2) الأسرار الفاطمية: ص183. (3) بحار الأنوار: ج8، ص١٩٠. (4) ميزان الحكمة: ج٢، ص ١٧٥٦. (٥) الكافي: ج٦، ص510. (6) الحدائق الناضرة: ج7، ص115. (7) المحجة البيضاء: ج٨، ص١٠٥.