دحو الأرض

داليا حسن المسعودي/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 260

قال الله تعالى: (والْأرْض بعْد ذلك دحاها )(النازعات:30)، جاءت كلمة (دحاها) من الدحو وتعني الانبساط والتوسع(1)، ويقصد بدحو الأرض أنها كانت في البداية مغطاة بمياه الأمطار الغزيرة التي انهمرت عليها من مدة طويلة، ثم استقرت تلك المياه تدريجيًا في منخفضات الأرض، وتكونت البحار والمحيطات، فيما علت اليابسة على أطرافها، وتوسعت تدريجيًا، حتى وصلت لما هي عليه الآن من شكل، وحدث ذلك بعد خلق السماء والأرض، وبعد ذلك أصبحت صالحة لسكنى الإنسان)(2)، أي أن الله تعالى جعلها كالدحية، وتوضح المعاجم اللغوية أنها بيضوية كالبيضة؛ لأن الـ(أدحوة) معناها بيضة النعام، أو مكان بيض النعام، ويكون عادة مستدير الشكل، ولاشك في أن هذا يطابق شكل الأرض الحقيقي الذي تدل عليه البراهين النظرية والعملية، مثلما تؤكد على ذلك الصور التي سجلتها آلات التصوير في أثناء رحلات الأقمار الصناعية في الفضاء، حيث تبين أن الأرض مفرطحة عند قطبيها تفرطحًا بسيطًا جدًا، مما يعطيها شكل البيضة. (ويفسر العلماء هذا التفرطح بأن الأرض كانت لينة ساخنة كالعجين عند نشأتها، وأن دورانها حول نفسها جعل كرة العجين تبرز قليلًا عند بطنها ـ خط الاستواء ـ وتتفرطح عند قطبيها؛ وذلك لأن القوة الطاردة المركزية أكبر ما تكون عند البطن، وتقل حتى تصل إلى الصفر عند القطبين، ولقد ظل هذا التشكيل مستمرًا حتى بردت الأرض)(3). وهذا تقدير العزيز الحكيم الذي أتقن كل شيء خلقه، فجعلها ممهدة وبسط قشرتها، بحيث يصبح من السهل السير عليها، وكون تربة صالحة للإنبات فيها، فقد قال تعالى: (الذي جعل لكم الْأرْض مهْدًا وسلك لكمْ فيها سبلًا وأنْزل من السماء ماءً فأخْرجْنا به أزْواجًا منْ نباتٍ شتى) (طه:53)، أي جعلها ممهدة للسير عليها وللحياة والنماء والزرع فيها، والله جعل الأرض مهدًا، وذلل سبل الحياة فيها، وقدر فيها موافقات شتى تسمح مجتمعة بوجود الإنسان وتيسير الحياة له، ولو اختلت إحدى هذه الموافقات لتعذرت الحياة أو تعسر، وفي هذا دليل على قدرة الله تعالى، ودحو الأرض تحت بيت الله الحرام ليس عبثًا، إنما جاء بأمر من الله سبحانه، فقد جاء عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): في المسجد الحرام لأي شيء سماه الله العتيق؟ فقال: "أنه ليس من بيت وضعه الله على وجه الأرض إلا له ربٌ وسكانٌ يسكنونه غير هذا البيت، فإنه لا رب له إلا الله عز وجل وهو الحرم، ثم قال: إن الله عز وجل خلقه قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده فدحاها من تحته"(4). وروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: "في خمس وعشرين من ذي القعدة أنزل الله الكعبة البيت الحرام، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة، وهو أول يوم أنزل فيه الرحمة من السماء على آدم (عليه السلام)"(5)، إذًا في هذا اليوم المبارك يستحب الصيام، فعن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا (عليه السلام) ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة، فقال له الرضا (عليه السلام): "ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم (عليه السلام)، وولد فيها عيسى بن مريم، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرًا"(6). ودحو الأرض يعد من النعم الإلهية التي وهبها رب العزة للمخلوقات، حيث بسط الأرض ومهدها قبل خلق السماء، وإخراج الماء والمرعى منها نعم كبيرة أخرى من الله (عز وجل). ............................... (1 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج١٩، ص٣٩٣. (2) المصدر نفسه ص392. (3) عبهرة سميح العامودي، الأرض في ضوء القرآن (دراسة موضوعية) ـ (أطروحة ماجستير)، الجامعة الإسلامية في غزة، كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم الدين، عام 2006م، ص36. (4) الكافي: ج4، ص115. (5) وسائل الشيعة: ج7، ص٣٣١. (6) المصدر نفسه.