الممهد في سر من رأى
كثيرا ما تدور تلك الأسئلة الشائكة في عقولنا نحن الذين نتبع آل بيت النبي (صلوات الله عليهم) من دون أنْ نعاصرهم، لكننا نشعر بتعابير وجوههم، ونتخيل كيف كانت سيماهم، متسائلين كيف لإنسان أنْ يتبع قولا مر عبر العصور، وشخصيات في زمانها لزم الناس مجالسهم، فنقلوا إلينا سيرتهم وسنتهم، أما نحن فلم نجد إلا الآثار، وعلى الرغم من ذلك تمسكنا بهم تمسك الرضيع بأمه ونحن مدركون أن الإمام يقود ويسود ويسأل عن أمته في الأرض حال حياته، وهذه الحقيقة ربما أشارت إليها الآيات الكريمة، كقوله تعالى:( يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا) (الإسراء:۷1)، فهم أشخاص اصطفاهم الله ليكون حبهم خالدا يسير في شرايين البشر، كزمزم طاهر نقي يظهر على سيماء المؤمنين، وإن استمرار هذا الحب والتعلق كان أساسا أنشأه آل البيت (عليهم السلام)، وعلى يد علي بن محمد الهادي (عليهما السلام) المحاط بالعناية الإلهية، كيف لا وأبوه المعصوم المسدد من الله تعالى، وأمه الطاهرة النقية، ومائدتهم القرآن الكريم وخلق النبي العظيم، ولد في ذلك البيت المفعم بالبركات؛ ليكون الممهد لرباط وثيق يجمع العصور القادمة بالماضية، حيث تقلد منصب الإمامة في الثامنة من عمره الشريف، فكان مثالا للإمامة المبكرة التي سعت إلى إنشاء حلقة تهيئ لعهد الغيبة وفقدان الولي، فقد تميز عصر الإمام الهادي (عليه السلام) بقربه من عصر الغيبة؛ لذلك قام (عليه السلام) بتهيئة الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يعهد من قبل، حيث لم يمارس الشيعة حياتهم إلا في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)؛ لذلك كان الإمام الهادي (عليه السلام) يسعى إلى تخفيف الصعوبات وتجهيز شخصيات تساعد الناس على التمسك بالدين من دون تشتت أو خوف من عدم حضور الولي، ونحن خير مثال على امتداد هذا التهيؤ، فاليوم إن وقفنا بباب المعصوم، تطرق أرواحنا باب مقامه، ونحن متأكدون من أنه يرد السلام، فما هو إلا إيمان راسخ وعقيدة ثابتة، فإن كان أسلافنا قد عاهدوا الإمام الهادي (عليه السلام) بالصمود ووفوا، فنحن اليوم نعاهده أننا صابرون، منتظرون ظهور وارثه، واثقون أن الحبل الوثيق الذي مده مولانا الهادي (عليه السلام) لم يكن عبثا، فنتاجه اليوم نحن أمة مؤمنة أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) روحيا معنا، وتشهد بذلك كل جوارحنا، وخير ما عبر عن مشاعرنا الشاعر السيد محمد رضا السلمان قائلا: (علي) قصدتك روحا تسامت فسجلْ خطابي ورد الخطوب فمثلك أدرى بحال عبيد يذوب اشتياقا لريح هبوب