رياض الزهراء العدد 92 آفاق علمية
((الألمُ))والغموضُ الذي يحيطُهُ
بعد مضي مئات الآلاف من السنين على وجود الإنسان في هذه الحياة تمكّن من معرفة ماهية جسمه بشكل دقيق ومفصّل، والتوصّل لأدق العمليّات الحيويّة التي تجري بداخله، ومراقبته عن كثب، ومعرفة الداء وكيفيّة صنع الدواء، والغذاء والماء ودورهما في الجسم، وعلى الرغم من كلّ ذلك التقدّم والمعرفة التي تم تحقيقها فإنه لا تزال هناك بعض الأسئلة البسيطة التي لم تتحقق لها إجابات محكمة ومنها: ما هو الألم تحديدًا؟ وكيف يحدث؟ ولماذا نشعر به؟ وهل نشعر به جميعاً بالطريقة نفسها أو يختلف من شخص لآخر؟ أسئلة لم يتمكّن العلم والعلماء من الإجابة عنها. ولم يمكنهم الاتّفاق على ماهية الألم حتّى اللحظة، فهو أمر معقّد يحتاج إلى جهود لإيجاد تعريف واضح له، وهو أكثر من مجرّد نبضات عصبيّة أو تنبيهات حسيّة، ويكون معقّداً وخليطاً من المشاعر والأحاسيس والثقافات والخبرات والمعتقدات الروحيّة والحسيّة. فالألم هو عبارة عن إحساس غير مريح، واستجابة عاطفيّة وشعوريّة لذلك الإحساس، مشترك بين كلّ البشر، ويصنف إلى: 1. الألم اللحظي الحاد Acute: هو ما تشعر به عندما تصيب المطرقة إصبعك بدلًا من المسمار أو عند التواء كاحلك أو عندما يحترق جزء من جسدك، ويعتمد على الخلايا العصبيّة المسؤولة عن نقل الألم Nociceptive، حيث تحمل الخلايا الأكبر حجماً إشارات الألم بسرعة أكبر إلى الدماغ، وتتسبب في الشعور بالألم الحاد أو الوخز اللحظي. 2. الألم المزمن Chronic: عبارة عن ألم مستمر طويل الأجل وأكثر إحباطًا، قد يحدث نتيجة إصابة ما، أو عدوى فيروسيّة في الأعصاب، أو ضرر عصبي للمفاصل وتنكس وضمور العظام. يطلق على أحد أنواعه Neuropathic، ويحدث نتيجة تلف الأعصاب وليس نتيجة الإصابة الفعليّة التي أدت إلى ذلك، وهناك دراسات حديثة تشير إلى أن هذا الألم يمكن أيضاً أن ينتقل عبر الأعصاب الأخرى غير التالفة، ويعتمد على الخلايا الصغيرة أو الرفيعة التي تسبب الألم المستمر الذي يصعب تحمّله. في الوقت الحالي العلماء يقتربون من فهم طبيعة الألم عن طريق تحليل أنواع الألياف العصبيّة التي تقوم بنقله، وطريقة وصول تلك الإشارات إلى الدماغ، وكيفيّة معالجته لها، والأعصاب الموجودة في أجسامنا تقوم بدور مهم جدّاً وهو أنها تخبرنا بوجود خطر ما كما في حالة الاقتراب من سطح ساخن أو في حالة رغبة الجسم في الراحة أو العلاج. وآلاف النهايات العصبيّة المسؤولة عن الشعور بالألم يمكن أن تجدها في مساحة صغيرة جدّاً في إبهامك أو فقرات العمود الفقري أو أي مكان آخر في جسدك. وهناك أنواع كثيرة من الأعصاب منها ما يشعر بالبرودة ومنها ما يشعر بالحرارة أو الضغط أو الألم، وتلك المسؤولة عن الشعور بالألم يُطلق عليها Nociceptors، وتجدها بكثرة في الأطراف والأصابع حيث تكثر الإصابات، وتطلق هذه الأعصاب إشاراتها نحو العمود الفقري وعندما يصبح مسبب الألم أقوى تزيد من سرعة الإشارات التي ترسلها ومن كثافتها في الحبل الشوكي، تتسبب هذه الإشارات الكهربيّة في إفراز مواد كيميائيّة تسمى الناقلات العصبيّة Neurotransmitters، وتقوم بتنشيط خلايا عصبيّة أخرى تعمل على معالجة تلك المعلومات وإرسالها إلى الدماغ، واعتماداً على مدى شدة مسبب الألم يتم تحديد السرعة التي سيتم بها إرسال تلك المعلومات إلى الدماغ ليتخذ الاستجابة المناسبة. ثم يتم معالجة إشارات الألم في منطقة المهاد thalamus في المخ، ثم يقوم المهاد بنقل الإشارة إلى ثلاثة أماكن وهي: 1. Somatosensory cortex (physical sensation): قشرة الدماغ أو لحاؤه المسؤول عن الشعور المادي. 2. (Limbic system (emotional feeling: النظام الحوفي المسؤول عن الشعور العاطفي. 3. Frontal cortex (limbic system): القشرة الأمامية، ويقوم الدماغ بعد ذلك بأخذ الإجراءات المناسبة للابتعاد عن مصدر الألم أو القضاء عليه، وقد يفرز موادّ لتخفيف الألم مثل الإندورفين endorphins في حالة الألم المزمن الذي لا يكون له سبب واضح، وفي أغلب الأحوال يكون الأمر أكثر تعقيداً، ولا يسهل فهمه.