رياض الزهراء العدد 207 استطلاع رأي
أبغض الحلال عند الله أصبح مستساغا
استيقظت مريم ذات الـ(7) أعوام على صراخ والديها، فأصابها الفزع وأخذت بالبكاء متسائلةً: ما الذي يجري؟ لماذا والداي يتشاجران؟ انتهى إلى مسامعها توقف شجارهما بذكر كلمة (الطلاق)، ماذا يعني ذلك؟ لعل والدي تصالحا وانتهت الخلافات. خرج الأب عابسًا، وجاءت الطفلة تسير نحو والدتها ببطء وعلائم الخوف جلية على ملامحها، كانت الأم مشدودة الأعصاب، نظرت إلى (مريم) فاستعلمت خوفها من ملامحها، أمسكت بيدها وضمتها إلى صدرها. مريم: أمي ماذا يعني الطلاق؟ هل سينتهي الصراخ والخلاف؟ الأم: عزيزتي الطلاق يعني الانفصال، سننفصل أنا ووالدك ولن نكون سويًا مرة أخرى. انصدمت الطفلة بما سمعت، وتعابير وجهها تبين صدمتها. يومًا بعد يوم تزداد نسب الطلاق في المحاكم، فضلًا عن الحالات التي لم تسجلها المحكمة، فبعضهم لم يمض على زواجه سوى بضعة أشهر وربما أقل، من أعمار وبيئات مختلفة ليصبح الطلاق أمرًا سهلًا يسارع إليه المتزوجون ما إن يقع خلاف بينهم حتى وإن مضى على زواجهم سنوات طويلة. أصبحت الحياة الزوجية صراعًا في الغالب، كل طرف يسعى فيه إلى إثبات قدرته، واستسهاله التخلي عن الآخر. فما الأسباب التي أدت إلى ذلك، وما الذي جعل الطلاق أمرًا يستسهله الأزواج؟ في بحثنا عن الأمر وسؤالنا لعدة متخصصين، نذكر ما قالته الدكتورة زهراء منصور الحلفي/ دكتوراه قانون: انتشرت في الآونة الأخيرة مسألة الطلاق بين مختلف الشرائح، حتى غدت ظاهرة من ظواهر العصر، ولعل أبرز ما يعزى إليه من سبب هو التفكك الأسري الناتج عن استخدام الإنترنت بإفراط، ومن دون وعي ودراسة، مع سلوك سبيل البعد عن الله تعالى، مما أدى بدوره إلى انتشار العلاقات غير الشرعية، والبعيدة كل البعد عن ديننا الإسلامي الحنيف، بحيث أصبحت هذه العلاقات آفة تنخر الأسرة العراقية. وبينت المحامية دعاء حسين العبودي الأسباب التي أدت إلى زيادة نسب الطلاق قائلةً: إن أهم سبب هو عدم تحمل المسؤولية من قبل الرجل، وعدم وجود ثقافة أسرية لدى كلا الطرفين، ووقت الفراغ الذي يسبب استسهال الخيانة، وأغلب حالات الطلاق تحدث لأن الزوج عاطل عن العمل، ويتقاعس عن أداء مسؤوليته تجاه عائلته، فالحالة المادية أسهمت بزيادة معدل الطلاق، ولابد من أن يكون هناك قانون ينظم الحياة الزوجية ويعالج مسألة الطلاق. أما رأي الدكتورة رؤى علي الدرويش/ رئيسة جمعية (رؤية) وتدريسية مهتمة بالشأن الأسري: ارتفاع معدل الطلاق في الآونة الأخيرة والتي أصبحت في تزايد ملحوظ عامًا بعد عام، حيث وصلت تقريبًا إلى أكثر من (250) حالة يوميًا وهذا يعني ما يقارب (10) حالات طلاق في الساعة الواحدة، هذا الارتفاع له أسبابه، والأسباب عديدة ترتبط بالجانب الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي. فمن الجانب الاجتماعي والاقتصادي هناك حالات كثيرة يتزوج فيها الأفراد بسبب ضغوطات الأهل وتدخلاتهم، إضافة إلى ارتفاع حالات الإنجاب، والزوج بلا عمل، وقد يكون معتمدًا في معيشته على أهله، ومع ارتفاع عدد الأطفال ليصل إلى (6) في كثير من الحالات التي ندرسها، يحدث الطلاق بسبب الوضع المادي الصعب، وهناك حالات كثيرة لا يحدث فيها الطلاق، بل يهاجر الزوج ويترك عائلته ويرحل لأنه لا يستطيع إعالتهم، فتبقى الأم مع أطفالها، وأغلب الأمهات لا يمتلكن مؤهلات علمية تمكنهن من إيجاد وظيفة تعيل بها نفسها وأطفالها، فيزداد الضغط في الجانب الاقتصادي على الرجل الذي لا يملك القدرة المالية، فتزداد المشاكل بين الزوجين، ومن ثم يحصل الطلاق، مما يؤثر بشكل سلبي في الأولاد، وظهور سلسلة من المشاكل المعقدة التي يكون ضحيتها الأطفال أنفسهم. وفي الجانب الثقافي نجد أغلب المتزوجين في أعمار صغيرة، ممن ليس لهم الوعي الكافي، وغير قادرين على فهم طبيعة المشاكل والضغوطات الاجتماعية، مع عدم الاستقرار المجتمعي الذي نعيشه، وعدم استقرار الجانب الاقتصادي، حتى الأمني؛ فكل هذه العوامل تؤثر في تفاقم المشاكل بين الزوجين، ومن ثم تزداد حالات الطلاق أو التفرقة. والعنف الأسري ويا للأسف هو أحد أسباب الطلاق، فارتفاع معدلات العنف، وما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من مقاطع وبرامج تكون صورًا للعنف، تزيد من نسبة الطلاق، فضلًا عن ارتفاع معدل تعاطي المخدرات الذي انعكس بشكل خطير داخل الأسرة؛ لذا نشدد كثيرًا على أن يكون العام الأول من الزواج بلا إنجاب؛ ليرى الزوجان نسبة التوافق بينهما، وبعد ذلك يستعدا لإنجاب الأطفال؛ لأن الطفل سيكون الخاسر الوحيد في هذه المعادلة. أطفالنا في الوقت الحاضر يعانون من حالة ضياع وتشتت بين خلافات الوالدين وخلافات الانفصال التي ترافقها، فقانون رقم (57) من قانون الأحوال الشخصية إلى الآن لم يتم تعديله بالشكل الذي يضمن حقوق الوالدين المنفصلين برؤية أطفالهما، إضافة إلى كثير من الأمور الأخرى. من أجل الحد من ظاهرة الطلاق هناك عدة تدابير من الجدير اتباعها: 1ـ الجانب الثقافي: فزيادة التعليم وزيادة الوعي بالواجبات والحقوق الزوجية، له دور كبير في الحد من الخلافات وحدوث الطلاق، فالزواج ليس علاقة عاطفية فقط، بل هو مسؤولية ومشاركة اثنين في كثير من مناحي الحياة. 2ـ مواقع التواصل الاجتماعي: التوعية بشأن استخدام مواقع التواصل التي أثرت بشكل سلبي في العلاقات الزوجية، فزادت العلاقات غير المشروعة التي أسهمت بزيادة الخلافات بين الزوجين، ومن ثم ارتفاع نسبة الطلاق. 3ـ تعديل القوانين: في الوقت الحاضر نعمل على تعديل قانون رقم (57) الخاص بقانون الأحوال الشخصية، ونعمل على توعية المجتمع بأهمية الاستعانة بالمرشد التربوي أو المرشد الاجتماعي، ليس في حالات الطلاق فقط، بل لإرشاد الزوجين بخاصة عندما لا يملكان الوعي الكافي لتحمل المسؤولية، فيحضران ورش خاصة عن معنى الزواج ومتطلباته، وهذه خطوة مهمة جدًا. 4ـ تكاتف الجهود: لابد من أن يكون هناك تكاتف في الجهود بين المؤسسات الحكومية والمجتمعية، فعلى سبيل المثال نرى العتبات المقدسة نشطة في هذا المجال وتعمل بهذا الشأن بشكل جميل جدًا، ونأمل أن يكون العمل مشتركًا للحد من حالات الطلاق. إن أهم خطوة في بناء أسرة مستقرة هو فهم حقيقة الزواج ومسؤولية الآباء والأمهات في تنشئة جيل سالم سوي، فمن الضروري وجود التكافؤ بين الزوجين، والاهتمام بإعدادهما ليكونا أهلًا لتحمل مسؤولية الزواج وخوض هذه التجربة بشكل صحيح. وختامًا، إن الطلاق في بعض الأحيان ربما يكون الحل الأنسب لما تسببه الخلافات الزوجية المتصاعدة من آثار سلبية مدمرة في الأطفال، وفي تنشئتهم وفي حياتهم المستقبلية.