فُرسانُ الغَدِيرِ

مريم هيثم الساعدي
عدد المشاهدات : 240

أوصاني جدّي قبل الذهاب قائلًا: (احذر حبائل الشيطان)، بعدها انطلقتُ مع مجموعة من الشباب إلى محافظة النجف الأشرف في (17) من ذي الحجّة بعد أن تمّ اختيارنا أنا وهؤلاء الشباب ليمثّل كلٌّ منّا محافظته من أجل القيام بالمهمّة التي تهيّأنا لها، وبعد وصولنا توجّهنا إلى زيارة مرقد الإمام عليّ (عليه السلام)، وفي صباح اليوم التالي قرأنا حديث الغدير حتى انتهاء صلاة الظهر، بعدها توجّهنا إلى باحة المرقد الشريف، وتمّ تسليم كلّ واحد منّا رايةً كُتِب عليها (عليّ وليّ الله) بالخطّ الكوفي، بعدها توجّهنا نحو الخارج وركبنا خيولنا وتوجّه كلٌّ منّا إلى وجهته، فاتّجهتُ نحو البصرة متنقّلًا من محافظة لمحافظة حيث كانت رحلتي هي الأطول. توقّفتُ في الطريق بعدما قطعتُ جزءًا من المسافة لأستريح أنا وفرسي فشاهدتُ خيمةً في الصحراء، انتابني الفضول فتوجّهت نحوها وإذا بفتى في مقتبل العمر يخرج من الخيمة يدعوني إلى الدخول، فقدّم لي اللبن وبعدها تبادلنا أطراف الحديث بشأن حياة البادية وقد مرّ بنا الوقت كثيرًا، استأذنتُه وخرجتُ من الخيمة ولم أجد فرسي في مكانه، فبحثتُ عنه في الصحراء إلى أن وجدتُه مبتعدًا كثيرًا عن الخيمة بعدها عدتُ إلى الفتى؛ لأشكره على ضيافته فوجدتُ الخيمة قد اختفت!! أصابني هذا الأمر بالذهول، كيف اختفت الخيمة! بعدها حاولتُ أن أركّز على مَهمّتي وتجاهلتُ الذي حدث، فالوقت ينفد. عاودتُ الانطلاق نحو البصرة وقد مضى وقت طويل على الفرس وهو يجري فاسترحنا مرّة أخرى، رأيتُ من بعيد رجلًا يسير في الصحراء لوحده وقد ظهر عليه التعب، فسار نحوي وقد كان عطشان فناولتُه من الماء الذي كان بحوزتي، وبعدها سألتُه عن أحواله، فقال إنّه قد خرج في رحلة مع أصحابه، لكنّهم غدروا به عندما كان نائمًا؛ حيث سرقوا سيارته وتركوه وحيدًا في الصحراء، فقلتُ له: إنّ الله تعالى قد وفّقني لأكون في طريقكَ كي أساعدكَ، فقال غاضبًا: ابتعد عنّي، فحدّثتهُ عن رحمة الله تعالى؛ فغضب أكثر وأكثر، وقرّر الذهاب قائلًا: لا توجد رحمة لله ـ استغفر الله ـ قرّرتُ اللحاق به؛ لكنّه كان سريعًا جدًا في سيره، فإذا بي أفقد أثره بشكل عجيب أصابني بالذهول، وفقدتُ تركيزي: فكيف اختفى وهو راجل، بينما أنا راكب وأستطيع اللحاق به؟! فحاولتُ استجماع تركيزي واستعذتُ بالله تعالى من هذه المواقف التي أمرّ بها وتجعلني أفقد تركيزي تجاه هدفي. بعدها عاودتُ المسير نحو البصرة إلى أن وصلتُ قريبًا من حدودها وقد أصابني العطش، فتذكّرتُ الماء الذي أعطيتُ منه ذلك الرجل، عسى أن أجد بعض القطرات التي ترويني، ففتحتُ قنّينة الماء وتفاجأتُ بأنّ الماء كان باقيًا على حاله لم ينقص منه شيء، إلّا أنّ لونه قد تغيّر وأصبحت رائحته كريهة، بيد أنّي تذكّرتُ أنّ الرجل قد شرب الماء كلّه، فأُصبتُ بالصدمة ممّ حصل، كنتُ على هذه الحال من الحيرة وإذا بي أسمع أصوات ذئاب تقترب منّي وتحاول الإحاطة بي، وبدأت تلاحقني واستطاعت جرح رجل فرسي، أحد الذئاب واصل الجري خلفي محاولًا تمزيق رجل الفرس، فترجّلتُ وأخذتُ حفنة من التراب سريعًا ورميتُها في عيون الذئب، فشغلته عن اللحاق بي، لم أستطع ركوب فرسي شفقةً عليه، وبعد مدّة من السير البطيء وصلتُ إلى مركز المحافظة، فاستقبلني جمع كبير من الناس مردّدين: (لا إله إلّا الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله عليّ هو الوليّ)، ثم تمّ إلقاء الأشعار الحماسية، وبعدها قمتُ بتسليم الراية، وتمّ وضعها في مركز المحافظة وسط حماس جماهيري كبير، وارتفعت أصوات الهتافات بالمدح والفخر والولاء للإمام عليّ (عليه السلام)، فحمدتُ الله تعالى على توفيقه لي من أجل هذه المَهمّة، وبعد انتهاء الاحتفال رجعتُ أنا وعائلتي التي كانت من ضمن الحاضرين إلى البيت، وقد مرّت تلك الأحداث التي حصلت لي في الطريق في مخيّلتي، فذهبتُ إلى جدّي كي أقصّ عليه ما حصل، وذكرتُ له ما جرى، فقال لي: أتذكر عندما حذّرتكَ من حبائل الشيطان، فالفتى الذي في الخيمة ألهاكَ عن مهمتّكَ، ثم انتبهتَ فبحثت عن فرسكَ وقد فُوجئتَ باختفاء الخيمة والفتى فكان أول مكائده هو الإلهاء، أمّا الرجل وحديثه عن اليأس من رحمة الله تعالى، فهو اليأس الذي يجعل الإنسان تائهًا، وقد طلب منكَ الماء؛ لكنّه لم يشربه بل قام بتلويثه، أمّا الذئاب التي ظهرت آخر الأمر، فهي الخوف الذي يحاول منعكَ من التقدّم، هنا قاطعتُ جدّي قائلًا باستغراب: كيف هذا وقد أُصيب فرسي؟! تعال لأريكَ ياجدّي، ذهبنا فوجدتُ الفرس سالمًا لم يُصب بخدش، فتابع جدّي القول بأنّ المنطقة التي مررتُ بها ليس فيها ذئاب أصلًا، في هذه اللحظة أصابني الرعب، فقال جدّي محاولًا تهدئتي: إنّ الشيطان الرجيم يأتي لذوي الإيمان محاولًا ثني عزائمهم وإيمانهم، وأنتَ قد حاول معك؛ لكنّكَ بعون من الله تعالى تغلّبت عليه وعلى مكائده المختلفة، وهذا الأمر يحدث مع ذوي الإيمان والعزيمة. فحمدتُ الله تعالى وشكرتُه لأنّه قد وهبني الإيمان وجعلني مَن الذين يحيون عيد الغدير الذي هو أمر الله تعالى الذي أنزله على رسوله (صلّى الله عليه وآله)، ومَن الذين يعطونه حقّه من الاهتمام، كأنّنا أخذنا الأمر من النبي (صلّى الله عليه وآله) ونشرناه في الأرض معلنين للناس أنّ: الوليّ هو الإمام عليّ (عليه السلام).